الرسوم الجمركية قد لا تمثّل تهديداً جدياً
بموجب خطة الرسوم الجمركية التي وُصفت بـ"يوم التحرير التجاري" وجرى الإعلان عنها في 2 إبريل، تم فرض "معدل تعرفة عام" بنسب لا تقل عن 10% على دول مجلس التعاون بالإضافة إلى الرسوم الحالية الخاصة بـ"العلاقات التجارية العادية". وكانت الرسوم الأولية تتعلق بحجم العجز التجاري الأمريكي مع شركائها الدوليين؛ علماً بأنه لم يُفرض على الدول التي تشهد فوائض، بما يشمل جميع دول مجلس التعاون، سوى الحدّ الأدنى من المعدل العام.12
كما تخضع البحرين وسلطنة عمان، التي تربطهما بالولايات المتحدة اتفاقيات تجارة حرة، لمعدل التعرفة العام الذي لا تقل نسبته عن 10%.
لكن تعليق ما يُعرف بالرسوم المتبادلة لمدّة 90 يوماً، الذي أُعلن عنه في 9 إبريل وشمل جميع الدول، والصين في 14 مايو، يشير إلى أن معظم الدول تخضع اليوم للمعدل العام نفسه، باستثناء بعض السلع، تماماً مثل دول مجلس التعاون.
على صعيد المنطقة، يُستثنى قطاع الطاقة ومنتجاته من الرسوم المتبادلة، والأمر سيان بالنسبة إلى بعض البتروكيماويات، أقله بصورة مؤقتة.13 لكن صادرات المعادن الكبيرة التي تصدرها المنطقة ستخضع لرسوم أعلى. فاعتباراً من العام 2018، فُرضت رسوم بنسبة 25% على واردات الولايات المتحدة من الفولاذ، وفي 12 مارس ازدادت الرسوم المفروضة على الألمنيوم من 10% إلى 25%. علاوةً على ذلك، تمت إزالة الإعفاءات الخاصة ببعض الدول، واتسع نطاق الرسوم ليشمل مجموعة واسعة من منتجات الفولاذ والألمنيوم التي تُستخدم في القطاعات التحويلية.14 في أحدث التطوّرات على صعيد الرسوم المتبادلة، قضت محكمة التجارة الدولية الأمريكية في 28 مايو 2025 بعدم جواز استخدام الإدارة الأمريكية لقانون الصلاحيات الاقتصادية في حالات الطوارئ الدولية كأساس قانوني لفرض الرسوم المتبادلة، وأكّدت على عدم تمتع الرئيس ترامب بصلاحية منفردة لاتخاذ مثل هذه القرارات. ولم تتأثر الرسوم الواردة ضمن القسم 232 (التي تغطي منتجات الفولاذ، والألمنيوم، والسيارات) بهذا القرار.
في حين ما زالت التغييرات المستقبلية المتعلقة بالرسوم العالمية الأمريكية غير مؤكدة، لا سيما في أعقاب قرار المحكمة الأمريكية المذكور أعلاه، ثمة أسباب تدفع بالاعتقاد بأن دول مجلس التعاون ستظل خاضعة لمعدلات أدنى مقارنةً بالشركاء التجاريين الآخرين للولايات المتحدة، نظراً إلى العلاقات الدبلوماسية والتجارية الوثيقة التي تجلّت خلال زيارة الرئيس ترامب الأخيرة. ومن شأن ذلك أن يعزّز القدرة التنافسية للصادرات الخليجية مقارنةً بالدول التي تخضع لرسوم أعلى.
وفي حال استمر فرض الرسوم العالمية الأمريكية لفترة مطوّلة، قد تشهد الأسواق إعادة تنظيم للتدفقات التجارية. وفي حين أن هذا الأمر قد ينعكس إيجاباً على دول مجلس التعاون، إلا أنه قد يؤدي إلى ازدياد مخاطر الإغراق. ولكن ثمة تساؤلات حول ما إذا كانت تدابير الرسوم الجمركية التي اتخذتها الولايات المتحدة مؤخراً ستُنفذ بالشكل الذي يحقق الغايات المرجوة منها.
على الرغم من جو عدم اليقين السائد على ساحة التجارة العالمية، الفرصة سانحة أمام دول مجلس التعاون لتعزيز التكامل الاقتصادي واستكشاف إمكانية إبرام اتفاقيات تجارية واستثمارية جديدة. وسواء كنا نتحدّث عن أجندة برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تنفذها الإمارات العربية المتحدة أو اتفاقيات التجارة الحرة على صعيد دول المجلس التعاون، فإن التزام المنطقة بالتجارة الحرة يجعلها وجهة جذابة للاستثمارات، وسط ازدياد اهتمام المصنعين العالميين وسعيهم إلى الاستثمار في المنطقة.15
تراجع أسعار النفط، وضعف الدولار الأمريكي، وارتفاع تكاليف الاقتراض
تشمل أبرز تداعيات السياسات الاقتصادية للرئيس ترامب على دول مجلس التعاون على المدى القصير تراجع أسعار النفط، وضعف القوة الشرائية للدولار الأمريكي، وارتفاع تكاليف الاقتراض.
وكان النفط أكثر السلع تأثراً بالحرب التجارية، حيث انخفض سعر برميل برنت بمقدار 12 دولار أمريكياً في الأسبوع الذي أعقب إعلان يوم التحرير إلى أدنى مستوياته خلال أربع سنوات. ونتيجةً لذلك، قامت أبرز جهات التحليل، ومن بينها صندوق النقد الدولي، بخفض توقعاتها بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي على خلفية التداعيات السلبية التي يُتوقّع أن تطال الدول المستهلكة للنفط، بما يشمل خفض توقعات النمو العالمي بواقع -0.5 نقطة مئوية ضمن تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر إبريل.16i
ويلقي ضعف النمو الاقتصادي بثقله على الطلب على النفط، وقد شكّل أحد العوامل التي أدت إلى تراجع أسعار النفط خلال الأشهر القليلة الماضية إلى جانب مراجعة التوقعات إلى انخفاض. وتُظهر التوقعات الخاصة بمتوسط سعر برميل خام برنت لهذا العام والصادرة عن مجموعة من المحللين، تقارباً واضحاً عند متوسط 66 دولاراً أمريكياً للبرميل.
توقعات خام برنت خلال إبريل/مايو 2025 (متوسط سعر البرميل بالدولار الأمريكي في 2025)
المصدر: تقارير صادرة عن المنظمات والتغطية الإعلامية
أدى انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة في البداية، إلى ارتفاع ملحوظ في سعر صرف الدولار الأمريكي حسبما أظهر مؤشر الدولار مقابل مجموعة من العملات الرئيسية، مسجلاً أعلى مستوياته منذ سنتين. ويُعزى ذلك إلى التوقعات التقليدية السائدة بأن سياسات الرئيس ترامب المتعلقة بالرسوم ستعزّز مكانة الدولار الأمريكي. لكنه سرعان ما انخفض بصورة مطردة منذ تنصيب ترامب، حيث تراجع بنسبة 5% عشية يوم التحرير وواصل انخفاضه بنسبة 4% خلال الأسبوعين التاليين، علماً بأنه انتعش بعض الشيء خلال مايو.
وطغت المخاوف المتزايدة حيال الاقتصاد الأمريكي على سعي المستثمرين إلى الحصول على الدولار باعتباره ملاذاً آمناً خلال فترات الاضطرابات. وقد انعكس ضعف الدولار هذا سلباً على دول مجلس التعاون نظراً إلى أن معظم إيرادات المنطقة هي بالدولارات المتأتية من مبيعات السلع، كما أن سعر صرف العملات المحلية مرتبط الدولار حيث إن الحجم الأكبر من الواردات يتم بعملات أخرى. وفي حال افترضنا أن جميع العوامل الأخرى بقيت على حالها، من شأن دولار أمريكي أكثر ضعفاً أن يدفع بتكاليف الواردات والعمال المهاجرين صعوداً. وعليه، قد يؤثر سلباً في التوازن المالي وميزان الحساب الجاري، ويؤدي إلى تفاقم الأثر الناجم عن انخفاض أسعار موارد الطاقة. أما من الناحية الإيجابية، فقد يعزّز ضعف العملة تنافسية الصادرات من غير السلع وقطاع السياحة، الذي تزداد أهميته بالنسبة إلى عدد كبير من دول مجلس التعاون.
النفط وتراجع الدولار
المصدر: Bloomberg
شهدت تكاليف الاقتراض ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالتوقعات السابقة قبل وصول ترامب إلى الرئاسة، ما يشير إلى أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي التي يتعين عليها تغطية العجز الناتج عن تراجع أسعار النفط وارتفاع تكاليف الاستيراد ستتحمل أعباء إضافية لتسديد ديونها. وسيعني هذا الارتفاع أيضاً ازدياد تكاليف الاقتراض التي تتكبدها الشركات والمستهلكون. وقد أشار تراجع معدلات التضخم المسجل العام الفائت إلى أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بدأ بخفض أسعار الفائدة، ما أتاح للبنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي تخفيض معدلات فائدة السياسة النقدية الخاصة بها. غير أن الأثر التضخمي للرسوم وترحيل العمال المهاجرين أثنيا الاحتياطي الفدرالي الأمريكي عن خفض المعدلات، بما في ذلك خلال الاجتماع الذي عقده في مايو.17
وتفضل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي أسعار فائدة منخفضة لتسهيل تمويل الاستثمارات غير النفطية بما يتماشى مع الرؤى الوطنية. وقد تؤدي السياسات المالية التي يعتمدها ترامب إلى ارتفاع عائدات سندات الخزينة، رهناً بنتيجة تصويت الكونغرس على الموازنة والخطط التي قدّمها لخفض الضرائب، والتي قد تؤدي إلى زيادة العجز. كذلك، قد ترتفع العائدات في حال دفعت التوترات السياسية بالصين ودول أخرى إلى بيع مخزونها من سندات الخزينة الأمريكية. وصحيح أنه لم يتضح بعد كيف سيتكشف هذا الأمر بالضبط، لكن عادةً ما يتم تسعير سندات دول مجلس التعاون الخليجي مقابل سندات الخزينة التي يُفترض أنها "خالية من المخاطر". وبالتالي، فإن أي ارتفاع في عائدات سندات الخزانة الأمريكية يؤدي تلقائياً إلى زيادة مماثلة في عائدات سندات الدول الخليجية.
فضلاً عن ذلك، يساهم تراجع أسعار النفط وحالة عدم اليقين العامة في الأسواق في رفع علاوة المخاطر التي يتعين على المقترضين من دول مجلس التعاون الخليجي دفعها بما يتجاوز عائدات سندات الخزينة. ويترافق ذلك أيضاً مع تراجع آفاق أسعار النفط ليفضي إلى ارتفاع توقعات السوق حيال مخاطر التعثر الائتماني، وبخاصة في الدول السيادية الأقل مرونة. هذا وارتفعت مقايضات تعثر الائتمان - أي تكلفة تأمين السندات ضد التعثر - في مختلف أنحاء المنطقة، حيث بلغت ذروتها في 9 إبريل، وبقيت فوق المستويات المسجلة ما قبل يوم التحرير في الدول ذات التصنيف الائتماني الأدنى، مثل البحرين. أما بالنسبة إلى الدول التي تتمتع بمراكز مالية أقوى، بما في ذلك أسعار تعادل مالي منخفضة للنفط وأصول أجنبية صافية كبيرة، فقد عادت لتسجل مستوياتها المنخفضة السابقة. ويشير ذلك إلى أن موجة الارتفاع الأخيرة كانت مدفوعة بحالة عدم اليقين العامة التي سادت الأسواق العالمية، وليس بسبب مخاوف بسيطة بشأن اقتراب أسعار النفط من عتبة 60 دولاراً للبرميل. لكن اعتباراً من منتصف شهر مايو، بقيت مقايضات تعثر الائتمان في البحرين والمملكة العربية السعودية وعُمان عند مستويات أعلى من تلك المسجلة قبل يوم التحرير لأن تراجع أسعار النفط يطرح تحديات أكبر بالنسبة إلى هذه الدول.
مقايضات تعثر الائتمان (5 سنوات، نقطة أساسية)
المصدر: تحليل السوق الائتماني
ترامب يمنح دول مجلس التعاون الخليجي الأولوية
اختار الرئيس ترامب دول مجلس التعاون الخليجي كوجهة لأول زيارة خارجية له خلال ولايته الرئاسية الثانية، تماماً كما فعل في ولايته الأولى. وبينما اقتصرت زيارته السابقة إلى المنطقة عام 2017 على المملكة العربية السعودية، فإن زيارته الحالية شملت كلاً من الإمارات العربية المتحدة وقطر أيضاً، حيث أمضى أربعة أيام في المنطقة. وتم استقبال ترامب بحفاوة، كما تخلل الزيارة إعلانات بارزة عن صفقات مقترحة تجاوزت قيمتها التريليون دولار أمريكي، بما في ذلك 600 مليار دولار من المملكة العربية السعودية،18 و243.5 مليار دولار من قطر19، و200 مليار دولار من الإمارات العربية المتحدة20، وفقاً للبيت الأبيض.
الاستثمارات في الولايات المتحدة تجمع بين المصالح المالية والاقتصادية
شملت استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في الولايات المتحدة الأمريكية التي تم الإعلان عنها خلال زيارة ترامب عدة مشاريع، مثل توسعة مصفاة النفط موتيفا التابعة لأرامكو في تكساس21، واستثمار شركة الإمارات العالمية للألمنيوم في تطوير مشروع مصهر أولي للألمنيوم في أوكلاهوما.22
كما أعلنت عدة شركات خاصة عن مشاريع مشتركة متنوعة في مجالات مثل التقنية النووية والرعاية الصحية والحوسبة الكمية. وقد انعكس هذا الزخم الاستثماري المتنامي أيضاً في مجال التقنيات، حيث يُعد المستثمرون من دول مجلس التعاون من الجهات الفاعلة الرئيسية في جولات تمويل رؤوس الأموال المغامرة في وادي السيليكون منذ فترة طويلة، مع الإشارة إلى أن صناديق الثروة السيادية القديمة مثل الهيئة العامة للاستثمار الكويتية وجهاز أبوظبي للاستثمار تملك حصصاً كبيرة في سوق الأسهم الأمريكي. ومع ذلك، ما زال المجال متاحاً أمام إجراء المزيد من الاستثمارات المستهدفة، بخاصة في المجالات المهمة من الناحية الاستراتيجية. ويحظى قطاع الغاز الأمريكي بأهمية خاصة على هذا الصعيد، حيث تفيد التقارير بأن الكويت تدرس شراء حصة في مشروع الغاز الطبيعي المسال المخطط له في لويزيانا23، في حين تنظر شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" في الاستحواذ على أصول الغاز الطبيعي التابعة لشركة إيثون إنرجي24 بقيمة 9 مليارات دولار أمريكي، كما وقعت أرامكو اتفاقية لشراء الغاز الطبيعي المسال من منشأة ريو غراندي.25
تركيز متنامٍ على الذكاء الاصطناعي
يشكّل الذكاء الاصطناعي مجال تركيز رئيسي في دول مجلس التعاون الخليجي، ويتقدّم بسرعة بفضل القيادة القوية وتوافر رأس المال والكهرباء والأراضي، كما تمت مناقشته في تقريرنا الصادر في سبتمبر 262024. وقد كانت الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية عنصراً أساسياً لتحقيق ذلك بفضل ريادتها التقنية في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي، ونماذج اللغة الكبيرة، والمنظومة الأوسع للذكاء الاصطناعي،
مع العلم بأن دول مجلس التعاون الخليجي أبرمت شراكات ونفذت استثمارات ملحوظة في شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، حتى قبل بداية ولاية الرئيس ترامب الحالية. غير أن وتيرة التقدّم المحرز في هذا المجال تسارعت هذا العام، مدفوعةً بسياسات الرئيس الأمريكي والأولوية التي منحها للذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، أعلنت مجموعة داماك، ومقرها دبي، عن نيتها استثمار ما لا يقل عن 20 مليار دولار لبناء مراكز بيانات جديدة في الولايات المتحدة، بهدف توفير بنية تحتية رفيعة المستوى لدعم موجة التوسع القادمة في أعمال الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي. 27 ومن جهتها، تعهدت شركة القابضة (ADQ) بالاستثمار في البنية التحتية للطاقة لتزويد هذه المراكز بالطاقة.28
وتضمّن وفد الرئيس رؤساء تنفيذيين لكبرى شركات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك OpenAI وxAI وNVIDIA. وقد أتاح ذلك فرصاً لتعزيز العلاقات مع نظرائهم في دول مجلس التعاون الخليجي. وصدرت تقارير في الإمارات العربية المتحدة تفيد بأن مجموعة جي 42 تعمل على تطوير مركز بيانات ضخم للذكاء الاصطناعي بسعة 5 جيجاوات سيكون الأكبر في العالم لاستخدام ملايين رقائق الذكاء الاصطناعي الأمريكية. بدورها، أطلقت المملكة العربية السعودية شركة هيوماين الوطنية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي التي أعلنت بدورها عن عمليات شراء ضخمة للرقائق
وعن إبرام شراكات بارزة مع شركات تقنية أمريكية.29 وصحيح أن العديد من هذه المبادرات ما زالت في مراحلها الأولى، إلا أن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت بسرعة الركيزة الثالثة الرئيسية لصادرات الولايات المتحدة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب الطيران والدفاع.
تعزيز منافسة قطاع الهيدروكربون الأمريكي قد لا يشكّل أولوية لدى ترامب
أظهرت سياسة الطاقة التي يعتمدها الرئيس الأمريكي تناقضات. فقد أراد إبقاء أسعار الوقود منخفضة، ولكن ليس لدرجة تقوّض هدفه المتمثل بزيادة إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة. واللافت أنه خلال التخفيض الوجيز لإنتاج النفط الذي فرضته مجموعة أوبك+ في إبريل 2020، تمكن من إقناع المملكة العربية السعودية باستئناف خفض الإنتاج، وذلك لحماية شركات النفط الأمريكية من الآثار السلبية لانخفاض الأسعار.30
وبرز احتمال أن تساهم سياسات ترامب بشكل كبير في تعزيز إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وهو مجال يتنافس فيه المنتجون الأمريكيون مع نظرائهم في قطر وعُمان والإمارات. فقد عمد إلى تخفيف القيود البيئية ومتطلبات منح التصاريح، وهو يحث الدول على شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي كوسيلة لخفض العجز التجاري، تماماً كما فعل عند توقيع اتفاقية التجارة مع الصين عام 2020.
غير أن التصريحات التي أدلى بها مؤخراً بشأن الرسوم عقّدت هذه العملية. فقد توقفت الصين عن استيراد الغاز الطبيعي المسال الأمريكي في مارس، وثمة مؤشرات على أن العديد من الدول الأخرى تدرس أيضاً احتمال الاستيراد من مصادر بديلة، مع التركيز بشكل خاص على دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك في إطار سعيها لتعزيز أمن إمداداتها.31 وفي هذا السياق، أبرمت المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري عقداً محدد المدة لشراء الغاز الطبيعي المسال من شركة أبوظبي الوطنية للبترول (أدنوك)، في إبريل32، بينما تجري شركة قطر للطاقة مفاوضات بشأن صفقة طويلة الأجل لتوريد الغاز الطبيعي المسال مع ائتلاف من الشركات اليابانية، بما في ذلك شركة جيرا وميتسوي أند كو، علماً أن هذا الائتلاف كان قد رفض سابقاً الشروط المعيارية لقطر.33
منظومة ترامب توسع مصالحها في دول مجلس التعاون الخليجي
بدأت شركة الرئيس ترامب أعمالها في دول مجلس التعاون منذ أكثر من عقد من الزمن، وكان أبرزها الشراكة التي أبرمتها مع داماك لتطوير ملعب فاخر للجولف في دبي، الإمارات العربية المتحدة.
ومؤخراً، عقدت شراكة مع شركة التطوير العقاري السعودي دار جلوبال التي تحمل ترخيصاً لاستخدام علامة ترامب التجارية. وخلال فصل الصيف الفائت، أعلنت الشركتان عن خطط لإنشاء "برج ترامب" في جدة، المملكة العربية السعودية، وملعب للجولف ووحدات سكنية في مسقط، عُمان. ومنذ الانتخابات الأمريكية، تمت إضافة المزيد من المشاريع: برج ونادي للجولف في الرياض، المملكة العربية السعودية، وملعب للجولف ومجموعة فلل ساحلية بالقرب من الدوحة، قطر بالشراكة مع الديار القطرية، إلى جانب مشاريع تطوير في الإمارات العربية المتحدة حيث تم الإعلان عن بناء برج وفندق في دبي. هذا وأعلن صندوق أم جي أكس شبه السيادي في أبوظبي أنه أجرى استثماراً بقيمة ملياري دولار أمريكي في منصة بينانس، أكبر بورصة للعملات المشفرة في العالم، وذلك باستخدام عملة مشفرة مستقرة تحمل اسم يو إس دي 1 – USD1 تصدرها شركة وورلد ليبرتي فاينانشال، وهي شركة للعملات الرقمية مملوكة بغالبيتها لعائلة ترامب.34
قوة صاعدة على الساحة العالمية
ساهم ترامب في تفكك النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، لكنه ليس المسؤول الوحيد عن هذا التحول. فصعود الصين والهند وبروز خلافات استراتيجية بين الولايات المتحدة وأوروبا ساهما في تعقيد المشهد الاقتصادي.
وفي هذا السياق، تضطلع دول مجلس التعاون الخليجي بدور أكثر أهمية كقوى صاعدة على الساحة العالمية، بفضل موقعها الجغرافي المركزي، وموارد الطاقة التي تملكها، وقوتها المالية. وتبقى علاقتها بالولايات المتحدة مهمة لاسيما في قطاع التقنية والمال والدفاع، فيما تواصل تعزيز روابطها الدولية، سواء بشكل فردي أو ضمن إطار جماعي. فضلاً عن ذلك، من المحتمل أن تنخرط حكومات المنطقة في أجندة التجارة العالمية بشكل استباقي أكثر. ويتضح ذلك من خلال زيارات القادة، والقمم الإقليمية، واتفاقات التجارة والاستثمار.
المصادر
[12] موقع x.com، البيت الأبيض، 2 إبريل 2025 - الرسوم الجمركية المتبادلة الخاصة بيوم التحرير
[13] موقع Manufacturingdive.com، 10 إبريل 2025، "PTFE, other chemicals spared from Trump’s tariffs"
[14] موقع Greatproductsinc.com، 4 مارس 2025، " Products affected by section 232 tariff derivatives annex 1 list (by hts code)"
[15] منصة Arabian Gulf Business Insight، 27 يناير 2025، "China renewables look to Middle East to avoid Trump tariffs
[16] صندوق النقد الدولي، 22 إبريل 2025، "تقرير آفاق الاقتصاد العالمي- إبريل 2025"
[17] CNN Business، 7 مايو 2025، “Fed holds rates steady, warns of stagflation risks”
[18] مستند حقائق البيت الأبيض في مايو 2025: الرئيس دونالد ترامب يؤمّن التزاماً تاريخياً من المملكة العربية السعودية باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة
[19] مستند حقائق البيت الأبيض في مايو 2025: الرئيس دونالد ترامب يحقق التزاماً اقتصادياً تاريخياً في قطر بقيمة 1.2 تريليون دولار
[20] مستند حقائق البيت الأبيض في مايو 2025: الرئيس دونالد ترامب يبرم صفقات جديدة بقيمة 200 مليار دولار بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة ويسرع التزامات استثمارية إماراتية سابقة بقيمة 1.4 تريليون دولار
[21] موقع Bloomberg، 13 مايو 2025 “Aramco touts 3.4 billion US refinery plan during Trump visit”
[22] EGA.com، 16 مايو 2025 ’شركة الإمارات العالمية للألمنيوم تواصل تنفيذ خططها لبناء أول مصنع لإنتاج الألمنيوم الأولي في الولايات المتحدة منذ عام 1980 في ولاية أوكلاهوما‘
[23] وكالة Reuters، 28 إبريل 2025، “Woodside talks sell Louisiana LNG stake Kuwait Petroleum unit”
[24] موقع Bloomberg 11، إبريل 2025، “Abu Dhabi’s ADNOC said to weigh bid for 9 billion Aethon assets”
[25] وكالة Reuters، 8 إبريل 2025، “NextDecade signs 20 year deal with Aramco supply LNG Rio Grande facility”
[26] https://www.pwc.com/m1/en/publications/middle-east-economy-watch/september-2024/gcc-plays-leading-role-in-ai-revolution.html
[27] Datacenterfrontier.com ‘Turning of the tides an analysis of recent US presidential support for data centers and digital infrastructure’
[28] موقع The National News.com، 21 مارس 2025، “Adq US energy renewable”
[29] موقع Bloomberg، 13 مايو 2025، “NVIDIA to send chips to Saudi’s HUMAIN for ai data centers”
[30] وكالة Reuters، 30 إبريل 2020 “Special Report:Trump told Saudi cut oil supply or lose US military support”
[31] موقع Cleantechnica.com، 18 إبريل 2025،”China walks away US LNG expansion plans unravel as trade war escalates”
[32] وكالة Reuters، 21 إبريل 2025،”China’s CNOOC agrees LNG deal with UAE’s ADNOC amid tariff war with US”
[33] وكالة Reuters، 1 مايو 2025، "Qatarenergy talks with Japan long term LNG supply deal"
[34] موقع Coindesk.com، 25 مارس 2025، “Trump backed world Liberty financial confirms dollar stablecoin plans with Bitgo”
Richard Boxshall
Global Economics Leader and Middle East Chief Economist, PwC Middle East
Tel: +971 (0)4 304 3100
Carlos Garcia
Partner, Middle East Customs & International Trade, PwC Middle East
Tel: +971 56 682 0642