بعد سنوات من التخفيضات الكبيرة والطويلة الأمد، بدأت مجموعة أوبك+ بزيادة إنتاجها، وذلك تنفيذاً لخطوات رفع الإنتاج التي تم التخطيط لها مسبقاً إنما جرى تأجيلها مرات عديدة. ففي شهر إبريل، قامت 8 من الدول الأعضاء في المجموعة برفع حصص إنتاجها للمرة الأولى منذ سبتمبر 1,22022.
بعد مرور ثلاثة أيام على بداية الشهر الأول من تقليص التخفيضات ، وبعد يوم واحد على تراجع أسعار النفط إثر إعلان الرئيس ترامب عن رسوم يوم التحرير، أعلنت مجموعة أوبك+ عن تسريع جدول تقليص هذه التخفيضات. شملت التعديلات ثلاثة أشهر من الزيادات التدريجية المخطط لها بدءاً من شهر مايو، مما أدى إلى رفع إنتاج المملكة العربية السعودية إلى 9.20 مليون برميل يومياً، بدلاً من الحصة المخطط لها سابقاً المحددة عند 9.09 مليون برميل يومياً. وخلال الاجتماع الشهري التالي لمجموعة أوبك+، تم اتخاذ قرار بمواصلة هذه الخطوات لثلاثة أشهر إضافية خلال يونيو، ما ساهم في رفع إنتاج المملكة إلى 9.37 مليون برميل يومياً، وهو مستوى كان من المفترض تطبيقه في أكتوبر.
تم توفير تفسيرات عديدة لهذا التحوّل في الاستراتيجية. فقد عزت مجموعة أوبك+ هذا التحوّل إلى "أسس السوق الإيجابية، كما يتضح من انخفاض المخزونات البترولية".3 لكن المحللين في قطاع الطاقة اعتبروا أن هذا الإسراع في الوتيرة هو نوع من التحذير للدول التي شهدت فائضاً في الإنتاج، لا سيما كازاخستان التي وصل إنتاجها إلى مستويات قياسية نتيجة استكمال أعمال التوسعة في حقل تنغيز. وعليه، لم تلتزم كازاخستان بحصصها الحالية ولم تنفذ خطة التعويض المحددة.4 وتشمل العوامل المحتملة الأخرى لاتخاذ مثل هذا القرار، الاستجابة إلى طلب الرئيس ترامب بخفض الأسعار والسعي إلى الحدّ من نمو الإنتاج في الدول من خارج مجموعة أوبك+، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص.
ما زالت زيادات حصص الإنتاج التي تم الإعلان عنها حتى الآن متدنية نسبياً. وبحسب الخطة التي جرى وضعها بناءً على الاجتماع في شهر مايو، سيتجاوز متوسط الإنتاج الإماراتي للعام 2025 المستويات المسجلة ما قبل التخفيضات الطوعية بنسبة 3.9% فقط، بما يتماشى مع متوسط الإنتاج للعام 2024. ويشير ذلك إلى زيادة عن النمو المستهدف بنسبة 3.0% بموجب الخطة الصادرة في مارس، وكذلك إلى ارتفاع طفيف عن توقعات شهر ديسمبر. لكن هذه الأرقام ما زالت دون الزيادة بنسبة 11.1% التي تم تحديدها في الجدول الأساسي لرفع مستويات الإنتاج في يونيو 2024. أما بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، فمن المقرر أن يتجاوز متوسط إنتاجها للعام 2025 مستويات خط الأساس بنسبة 2.9%. هذا وقد خُصصت للكويت وسلطنة عمان زيادة ضئيلة لمتوسط الإنتاج. إلى ذلك، يتم الحديث عن المزيد من الزيادات، حيث أشارت بعض مصادر مجموعة أوبك+ إلى أنه قد يتم التعويض عن التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً بشكل كامل في شهر نوفمبر على أقرب تقدير.5
حصص إنتاج النفط المتغيرة لمجموعة أوبك+ للعام 2025 (% التغيير مقارنةً بمستويات سبتمبر 2024)
المصدر: أوبك
نمو الناتج المحلي الإجمالي سيستعيد زخمه في 2025
بالنسبة إلى معظم دول مجلس التعاون الخليجي، تؤدي خطط مجموعة أوبك+ الرامية إلى وقف التخفيضات الطوعية دوراً رئيسياً في تحديد توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي. ومن شأن هذه التغييرات أن تؤثر بشكل معتدل في الإيرادات المتوقّعة، إذ إن تراجع الأسعار الناجم عن زيادة الإمدادات سيقابل، جزئياً أو كلياً، الأرباح المتأتية من أحجام المبيعات المتزايدة. في هذا السياق، توقع صندوق النقد الدولي أن يحقق قطاع النفط في دول مجلس التعاون نمواً بنسبة 1.7% في العام 2025، بعد تراجع بنسبة 2.8% وفقاً لخطة العام 2024 (يُرجى الإطلاع على قسم جدول البيانات والتوقعات). لكن هذه التوقعات صدرت قبل تسريع وتيرة الحدّ من التخفيضات الطوعية، حيث من المرجح أن تساهم هذه الخطوة الآن في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي بـ0.5 نقطة مئوية إضافية بحسب الخطة الحالية.
اختتم الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي العام 2024 بتسجيل أداء قوي في مختلف دول مجلس التعاون، حيث تراوح النمو في الربع الرابع ما بين 4.0% على أساس سنوي في الكويت و7.1% في أبوظبي. وفي المملكة العربية السعودية، أظهرت بيانات الربع الأول تراجعاً طفيفاً من 4.9% خلال الربع الرابع إلى 4.0%، مع العلم بأن هذه النتيجة تشير مع ذلك إلى زخم كبير، في حين ما زال القطاع غير النفطي في الإمارات يظهر مرونة وقدرة على الصمود بدعم من النتائج الإيجابية التي سجلها مؤشر مديري المشتريات. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ نمو القطاع غير النفطي في دول مجلس التعاون 3.4% في العام 2025، في تراجع طفيف عن 3.8% في 62024. قد يؤدي تراجع أسعار النفط في نهاية المطاف إلى تقليص الإنفاق، في خطوة ستؤثر في الأنشطة غير النفطية في المنطقة، ولكن لم يتم الإعلان حتى الساعة عن أي تخفيضات كبيرة بعد.
من المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون إلى 3.1% في العام 2026 بحسب صندوق النقد الدولي، مسجلاً أعلى مستوياته منذ العام 2022 ومتجاوزاً بثلاث مرات تقريباً متوسط النمو المسجل ما بين 2023 و2024، وذلك على خلفية النمو الكبير للقطاع غير النفطي وازدياد إنتاج النفط.
التحديات المالية
تواجه المنطقة تحديات مالية متجددة نظراً إلى تراجع أسعار النفط ومستويات الإنفاق الحكومي التي ما زالت مرتفعة، ما قد يؤدي إلى تسجيل دول مجلس التعاون أداءها المالي الأضعف منذ العام 2020. وفي ديسمبر 2024، توقعت المملكة العربية السعودية عجزاً في الميزانية بنسبة -2.3% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 72025، لكن توقعات صندوق النقد الدولي التي جرى تحديثها في إبريل أشارت إلى أن هذا العجز سيتجاوز هذه النسبة بأكثر من الضعف. ومن المتوقع أن يتم تسجيل عجز أكبر في الكويت (-7.9%)8 والبحرين (-10.4%)، وفي حين أن التوقعات تشير إلى تحقيق سلطنة عمان وقطر توازناً مالياً، إلا أن الدولتين قد تشهدان عجزاً في حال بقيت الأسعار متدنية.9
بالنسبة إلى معظم دول مجلس التعاون، من المستبعد أن يفرض تمويل هذا العجز تحديات كبيرة. ففي المملكة العربية السعودية، سبق لميزانية العام 2025 أن أخذت في الحسبان إمكانية تسجيل عجز، وأصدرت المملكة أدوات دين بقيمة قياسية بلغت 31 مليار دولار أمريكي خلال الربع الأول، وذلك وسط ازدياد تكاليف الاقتراض في المنطقة. في غضون ذلك، أقرت الكويت قانون الدين العام لتعود مجدداً إلى أسواق رأس المال بعد غياب استمر ثمانية أعوام.10 من جهتها، تمكّنت البحرين، على الرغم من القيود المالية الأكثر تشدداً التي تفرضها، من إصدار سندات وصكوك في إبريل بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي.11 لكن في حال استمر انخفاض أسعار النفط، قد تضطر الحكومات إلى النظر في إمكانية اتخاذ تدابير للضبط المالي، على غرار تقليص الإعانات، ورفع الضرائب، وتقليص النفقات. وستختلف المجموعة المناسبة من التدابير بحسب السياق المحلي لكل دولة.
أسعار التعادل المالي للنفط (2025)
المصدر: تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي
المصادر
[1] البيان الصحفي الصادر عن أوبك في 3 إبريل 2025: "المملكة العربية السعودية، وروسيا، والعراق، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وكازاخستان، والجزائر، وسلطنة عمان تؤكد مجدداً التزامها باستقرار السوق النفطي في ظل الآفاق الإيجابية وتقوم بتعديل ورفع إنتاجها"
[2] تم الإعلان في يونيو 2024 عن خطط لتعديل تخفيضات الإنتاج الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً التي جرى اعتمادها في يناير 2024. وتم تأجيل هذه الخطوة ثلاث مرات ما أدى إلى تأخير لمدّة ستة أشهر. ولم يتم رفع الإنتاج إلا بمقدار 0.14 مليون برميل يومياً، ويُعزى ذلك جزئياً إلى التخفيضات الإضافية التي جرى الإعلان عنها في مارس بهدف التعويض عن فائض الإنتاج السابق الذي تسبب به العراق وكازاخستان في الدرجة الأولى، في ظل إجراء بعض التعديلات الطفيفة على صعيد حصص دول مجلس التعاون - أوبك، 20 مارس 2025
[3] أوبك، بيان صحفي في 3 مايو 2025
[4] موقع Bloomberg.com، 3 مايو 2025، "Saudis double down on seismic OPEC shift to sink oil prices"
[5] موقع Reuters.com، 4 مايو، "OPEC+ further speed-up-oil-output-hikes-three-sources-say"
[6] منشورات صندوق النقد الدولي، 24 إبريل 2025، "التوقعات الاقتصادية الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى - إبريل 2025"
[7] صندوق النقد الدولي، "بيان صحفي وتقرير الموظفين، المملكة العربية السعودية: مشاورات المادة الرابعة لعام 2024"
[8] صندوق النقد الدولي، 6 ديسمبر 2024، "المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي يختتم مشاورات المادة الرابعة مع الكويت لعام 2024"
[9] صندوق النقد الدولي، إبريل 2025، "تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى"
[10] صحيفة Kuwait Times، 26 مايو 2025، "Kuwait sets KD 30bn debt cap with 50 year borrowing plan"
[11] Zawya، مايو 2025 1، "Bahrain prices $1.74 bln sukuk and $750mln bond"
Richard Boxshall
Global Economics Leader and Middle East Chief Economist, PwC Middle East
Tel: +971 (0)4 304 3100
Carlos Garcia
Partner, Middle East Customs & International Trade, PwC Middle East
Tel: +971 56 682 0642