22/05/18
شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر الستة الماضية تغيرات وتحديات هامة يتعين على المديرين الماليين وفرق العمل المسؤولة عن الإدارة المالية التعامل معها بحيطة وعناية. وتتضمن هذه التغيرات مشروعات تنفيذ ضريبة القيمة المضافة، وتطبيق المعيارين المحاسبيين الجديدين: المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 9 "الأدوات المالية"، والمعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 15 "إيرادات العقود مع العملاء". ومع بدء المؤسسات في استيعاب هذه التغيرات داخل منظومة العمل وإتمام إجراءات التدقيق لعام 2017، من المنتظر أن يتحول الاهتمام لا محالة إلى السؤال عن "الخطوة التالية"، حيث تلوح في الأفق مرحلة مهمة من مراحل التغيير في عدد كبير من المؤسسات ألا وهي مرحلة تطبيق المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 "عقود الإيجار" الذي سيدخل حيز التطبيق اعتباراً من 1 يناير 2019.
وعلى مدى الأسابيع القليلة القادمة ننشر سلسلة من المقالات لمساعدة المديرين الماليين وفرق الإدارة المالية على فهم بعض التحديات العملية الرئيسية المرتبطة بتنفيذ المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16؛ حيث نتوقع أن يؤدي هذا المعيار الجديد إلى لجوء العديد من الشركات إلى إحداث تغيير جذري في قوائمها المالية علماً بأن هذا المعيار سيكون له آثار أوسع على سير الأعمال.
ولا شك أن العديد من القرّاء اطلعوا على العناوين الرئيسية التي تندرج تحت المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 بعد صدور المعيار في يناير 2016. ولكن ومن واقع خبرتنا بمنطقة الشرق الأوسط، لا يزال هناك شيء من الغموض حول بعض التحديات المصاحبة للتنفيذ العملي وحول التوقيت الذي يجب أن تبدأ فيه الشركات إجراءات تطبيق المعيار. ولذا، نعتزم أن نتناول في هذه السلسلة عدداً من القضايا التي ينبغي أن ينظر إليها المديرون الماليون في شركات ومؤسسات الشرق الأوسط بعين الاعتبار. ومن بين هذه القضايا:
كيف نرى تأثير هذا المعيار الجديد على الشركات والمؤسسات العاملة في دول الشرق الأوسط؟
ما التأثير المتوقع على مختلف الصناعات في الشرق الأوسط؟ ما هي الصناعات التي ستتأثر أكثر من غيرها؟ ولماذا؟
ما الذي ينبغي على الشركات أن تفكر فيه حالياً؟ وكيف ومتى تتجه إلى تنفيذ المعيار؟
تأثير المعيار على جانب التمويل ليس مجرد غيض من فيض، إذ يتعين أيضاً فهم التأثير على النظم والعمليات والمشتريات والموارد البشرية وفرق العمل المسؤولة عن الخزانة والعقارات.
ما الدوافع الرئيسية ومجالات التقدير التي ستحدد اتجاه تأثير المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 على الشركات - بما في ذلك مدة الإيجار ومعدل الخصم؟
كيفية تحديد عقود الإيجار - بما في ذلك عقود الإيجار المضمنة
البرامج والتكنولوجيا - ما الدور الذي يمكن أن تلعبه البرامج والتكنولوجيا في التخفيف من حجم العبء الواقع على فرق الإدارة المالية؟
المنهج الانتقالي – ما سبب أهميته؟، وما التأثير الذي يمكن أن يحدثه على النتائج؟
وفقاً للمعيار رقم 17 من المعايير المحاسبية الدولية، يسجل المستأجر والمؤجر عقد الإيجار في صورة تأجير تمويلي أو تأجير تشغيلي. وكان المستأجرون يتعاملون مع عقود الإيجار التشغيلي على أنها "خارج الميزانية" بموجب المعيار رقم 17 من المعايير المحاسبية الدولية، إذ لا يشترط هذا المعيار تسجيل مدفوعات الإيجار التشغيلي المستقبلية على أنها التزام على عكس الوضع بالنسبة لطريقة محاسبة الإيجار التمويلي بموجب نفس المعيار.
ويتطلب المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16حالياً تطبيق منهجية نموذجية موحدة على المستأجرين، إذ سيتم الآن إدراج جميع عقود الإيجار تقريباً في ميزانية المستأجر مع النص على الحق في استخدام الأصل والالتزام المالي. وسيتم إثبات التزام الإيجار بالقيمة الحالية لمدفوعات الإيجار المستقبلية على أن يكون حق استخدام الأصل مساوياً لنفس القيمة بعد تسوية التكاليف المباشرة الأولية وتكاليف التجديد والترميم.
لن يؤدي المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 إلى تغيير كبير في طريقة محاسبة المؤجر، إذ لا يزال على المؤجر التمييز بين عقود التأجير التمويلي (والتي سوف يتم إثباتها على أنها ذمم مدينة إيجارية) وعقود الإيجار التشغيلي (سوف يستمر إثبات الأصل الأساسي).
يحتوي المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 على إعفاءات لعقود الإيجار قصيرة الأجل (١٢ شهراً أو أقل) وعقود الإيجار الخاصة بأصول منخفضة القيمة (5000 دولار أمريكي أو أقل). وفي حالة عقود الإيجار قصيرة الأجل، لابد من النظر في أي شروط تمديد أو تجديد قد تعني من الناحية العملية أن مدة الإيجار تزيد عن 12 شهراً.
يتضمن المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 توجيهاً حول تحديد عقود الإيجار، وهذا التوجيه يحل محل التوجيه الذي ورد في السابق في التفسير الرابع للجنة تفسيرات المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية "تحديد ما إذا كان الترتيب يتضمن عقد إيجار". وفي ظل المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16، ينطوي العقد على إيجار إذا كان الوفاء به يعتمد على أصل محدد وكان العقد ينقل الحق في السيطرة على الانتفاع من هذا الأصل المحدد طوال مدة الانتفاع به.
يتضح من النموذج التوضيحي 2 أن التأثير على قائمة الدخل سوف يعبر عن النواحي التالية:
سيتم استبدال مصاريف الإيجار التشغيلي المقررة حسب المعيار المحاسبي الدولي رقم 17 بمصاريف الاستهلاك والفائدة المقررة حسب المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 في قائمة الدخل، مما يحدث تغييراً في أماكن المصاريف الواردة في قائمة الدخل؛
سوف تزيد الأرباح قبل اقتطاع الفوائد والضرائب والاستهلاك نتيجة لما سبق؛
من المرجح أن يؤدي المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 إلى التكبد المبكر لنفقات الفائدة في السنوات الأولى من تطبيق المعيار؛ مما ينتج عنه انخفاض في صافي الأرباح في السنوات الأولى التالية لتطبيق المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 مقارنة بنموذج الإيجار التشغيلي في ظل معيار المحاسبة الدولي رقم 17.
سوف تمتد التأثيرات المذكورة أعلاه إلى بعض المؤشرات والنسب الرئيسية الأخرى مثل صافي الدين، ونسبة الرفع المالي (أي الدين إلى رأس المال)، وصافي الأصول. وقد يؤدي تطبيق هذا المعيار في بعض الحالات إلى تأثر وربما اختلال المقاييس الرئيسية التي تتحرى عنها المؤسسات المقرضة أثناء عملية التحقق من التزامات العملاء.
من المرجح أن يكون للمعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 تأثير كبير على القوائم المالية للعديد من الشركات والمؤسسات في الشرق الأوسط. فسوف يؤدي المعيار إلى إدراج عقود الإيجار في ميزانيات المستأجرين ويؤثر أيضاً على التوزيع الجغرافي للمصاريف والأرباح قبل اقتطاع الفوائد والضرائب والاستهلاك والأرباح الصافية في بيان الدخل.
يجب أن تراعي الشركات والمؤسسات هذا التأثير أثناء وضع ميزانياتها لعام 2019- ولاسيما وأن التوقعات تشير إلى أن هذا المعيار سوف يكون له تأثير كبير على صافي الربح.
وبما أن المعيار لن يدخل حيز التنفيذ حتى حلول عام 2019، فإن الأمر سيستغرق بعض الوقت للتحضير والاستعداد - بسبب متطلبات الأنظمة والبيانات في المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16. فإذا لم يكن المديرون قد فكروا من قبل في تطبيق المعيار، فعليهم التفكير فيه من الآن وذلك نظراً إلى أن التنفيذ قد يستغرق ما بين شهرين إلى ستة أشهر حسب عدد عقود الإيجار المبرمة وطبيعتها ودرجة تعقيد بنودها.
وفي المقالة التالية من هذه السلسلة، سنواصل استكشاف تأثير المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 16 على منطقة الشرق الأوسط والنظر في تأثير هذا المعيار على الصناعات المختلفة.