هل تتذكرون شركة اتصالات إيريديوم؟ أعلنت شركة الهواتف التي تعمل عبر الأقمار الصناعية المدعومة من موتورولا إفلاسها في العام 1999، وذلك بعد إنفاقها 5 مليار دولار أمريكي لبناء وإطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية المصممة لتقديم خدمة اتصالات لاسلكية حول العالم.1 والجدير بالذكر أن هذه الشركة كانت في يوم من الأيام من أبرز الشركات في وول ستريت، فقد ارتفع سعر أسهمها ثلاث مرات في أقل من عام. وبفضل أكثر من 1,000 براءة اختراع، كانت في موقع يؤهلها لتحقيق الريادة في قطاع الاتصالات العالمي.2 لكن الفشل الذي أحدق بها، لم يكن نتيجة نقص في الابتكار بل كان سوء توقيت. لا شك في أن التقنية كانت ثورية، إلا أن السوق والبنية التحتية الداعمة لم يكونا جاهزين بعد.
واليوم، لم تعد الأقمار الصناعية والإنترنت عبر الأقمار الصناعية مجرد تجربة أو اختبار، بل أصبحت بنية تحتية أساسية تدعم مستقبل الاتصالات حول العالم. وتُظهر مشاريع مثل "ستارلنك" التابعة لإيلون ماسك مدى ضخامة الفرص المتاحة اليوم، مع قيام شركات إقليمية بدراسة إدراج هذه الخدمة في شبكاتها.3
إلا أن قصة شركة اتصالات إيريديوم ليست فردية، إذ تعمل الشركات اليوم في بيئة تسودها التعقيدات والتغييرات الجذرية المستمرة، بدءاً من التقدّم التقني ومخاطر المناخ التغيّر المناخي وصولاً إلى التقلبات التجارية وتغيّر الديناميكيات الجيوسياسية. وفي ظل هذه الأجواء، لم تعد إعادة الابتكار مجرد خيار، بل أصبحت ضرورة استراتيجية. ولكن مسار إعادة الابتكار نادراً ما يكون بسيطاً، وأي خطوة ناقصة قد تؤدي إلى خسائر كبيرة في القيمة.
في هذا السياق، يعلّمنا التاريخ دروساً تحذيرية واضحة. فالشركات التي تحرّكت مبكراً جداً أو متأخراً جداً، فقدت الكثير من قيمتها. وفي الواقع، لم تعد %89 من شركات قائمة فورتشن 500 للعام 1955، مدرجة في القائمة اليوم.4 وتُظهر البحوث الأخيرة التي أجرتها بي دبليو سي إلى أثر هذا التحدي، إذ تعتقد %58 فقط من الشركات عالمياً أنها عدّلت نموذج عملها في الوقت المناسب، بينما أفادت الشركات الأخرى بأنها أحدثت التغييرات المطلوبة بوقت مبكر جداً أو متأخر جداً.5 . ويتجلّى ذلك بوضوح في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعِد العقد المقبل بتحولات غير مسبوقة من حيث طبيعتها ونطاقها، تقوم بالدرجة الأولى على الابتكار وإعادة تشكيل القطاعات. وبفضل استراتيجيات حكومية طموحة تستشرف المستقبل لا سيما على صعيد التقنيات الناشئة، والتنويع الاقتصادي، وتعزيز الجهود الدبلوماسية إقليمياً، لا تعمل المنطقة على ترسيخ أسسها الاقتصادية فحسب، بل تبرز أيضًا كقوة عالمية في العمل المناخي والابتكار التقني. وإذا واصلت اعتماد الذكاء الاصطناعي وقيادة التحوّل في قطاع الطاقة، فقد يصل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 4.68 تريليون دولار أمريكي في العقد القادم.6
بدأت القطاعات التقليدية في المنطقة بإعادة تشكيل طرق عملها، مما يسهم في استحداث "مجالات نمو" اقتصادية مصممة بطريقة جديدة لتلبية احتياجات الأفراد الأساسية، مثل الأساليب التي نعتمدها لنصنع، ونتنقّل، ونبني، والموارد التي نستخدمها لإنتاج الطاقة، والغذاء، والاعتناء بأنفسنا. وتُعتبر هذه التحولات واعدة إلى حدّ كبير من حيث استحداث قيمة كبيرة لمجموعة متنوعة من المؤسسات والشركات عبر هذه القطاعات. وتشكّل هذه التحولات بالنسبة إلى قادة الأعمال، فرصاً هامة للنظر في طرق جديدة لاستحداث القيمة، وتحقيقها، والاحتفاظ بها، ولكنها في الوقت نفسهِ تطرح معضلة استراتيجية ألا وهي: "ما هو التوقيت المناسب لإعادة الابتكار؟"
فاتخاذ خطوات مبكرة جداً (أو متأخرة جداً)، سيؤدي على الأرجح إلى فقدان القيمة.
طوّر الباحثون في بي دبليو سي مؤشر ضغط إعادة الابتكار، بهدف فهم التوقيت الأمثل لإعادة الابتكار – وهو عبارة عن مجموعة من المؤشرات التي تقيّم مستوى الضغط لإعادة الابتكار بالنسبة إلى شركات داخل قطاع معيّن مقارنةً بالمتوسط التاريخي عبر السنوات الـ25 عاماً الماضية.7 ويتم احتساب هذا المؤشر من خلال ست محرّكات رئيسية، يساهم كل منها في مستوى الضغط العام لإعادة الابتكار. تعكس الدرجة المسجلة في هذا المؤشر، مدى انحراف الظروف الحالية عن المتوسط التاريخي، كما توضّح أماكن الضغط المرتفع (أو المنخفض) بشكل غير اعتيادي مقارنةً بالعقدين الماضيين.
ووفقاً لتحليلات بي دبليو سي، فقط بلغت ضغوط إعادة الابتكار إلى جانب عوامل أخرى، إلى مستويات تقترب من أعلى نقطة لها خلال 25 عاماً، لتطال بذلك نحو ثلاثة أرباع القطاعات عالمياً وفي الشرق الأوسط. ويُعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى مستويات الأداء والجاذبية والابتكار والصدمات عالمياً على سبيل معدلات التعرفة الأمريكية، ما يدفع الشركات للاستعداد لتكاليف أعلى وهوامش أقل ولاحتمال حدوث اضطرابات في سلاسل الإمداد.8 وقد حدّد خبراء الاقتصاد في بي دبليو سي نحو 7.1 تريليون دولار أمريكي من الإيرادات التي يمكن اقتناصها عالمياً خلال العام 2025 فقط، وذلك عبر إعادة الابتكار.
في بداية هذا العام، أشار 64% من الرؤساء التنفيذيين في دول مجلس التعاون الخليجي و60% من الرؤساء التنفيذيين في منطقة الشرق الأوسط ممن شملهم الاستطلاع الذي أجريناه، إلى أن شركاتهم تحتاج إلى التكيّف خلال السنوات العشر المقبلة كي تبقى قادرة على الصمود، وهي نسبة تفوق المتوسط العالمي البالغ 41%. وهذا الشعور بضرورة التكيّف يظهر جلياً في الخطوات التي يتم اتخاذها، ففي السنوات الخمس الماضية، أطلق أكثر من نصف الرؤساء التنفيذيين في المنطقة منتجات وخدمات جديدة، بينما عمل 53% منهم على توسيع قاعدة عملائهم. كما سعى 43% من الرؤساء التنفيذيين إلى إقامة شراكات جديدة، فيما نظر 39% منهم في قنوات جديدة للدخول إلى الأسواق، كما اعتمد 34% منهم نماذج تسعير جديدة.9
ومع ذلك، ما زال التقدّم المُحرز في بعض القطاعات غير متكافئ. وما زالت العديد من الشركات مُقيّدة بطرق التفكير التقليدية وبإجراءات لم تعد مواكبة لعصرنا هذا. ومن هذا المنطلق، فإن عدم اتخاذ الخطوات المطلوبة بالوتيرة المناسبة، بات أمراً مكلفاً.
ويعتبر خبراء الاقتصاد في بي دبليو سي أن وجود 300 مليار دولار أمريكي على المحكّ عبر مختلف القطاعات في منطقة الشرق الأوسط في العام 2025، يشير إلى الضغوط المتزايدة لإعادة الابتكار التي ستسرّع بدورها وتيرة التحول عبر القطاعات خلال العقد المقبل.
بالنسبة إلى الشركات وقادة الأعمال، فإن الأسئلة المهمة واضحة: هل أنتم في موقع يسمح لكم بإعادة الابتكار؟ هل تتخذون الخطوات المناسبة اليوم استعداداً للغد؟ وكيف يمكنك الاستعداد لذلك بالشكل الأمثل؟
ننظر في هذا التقرير إلى القطاعات المعرّضة للضغط، من أجل فهم القيمة الحقيقية المعرّضة للخطر، كما نستعرض الركائز الاستراتيجية الأربع التي يمكن للحكومات والشركات الاعتماد عليها لاغتنام تريليونات الدولارات من القيمة المتحركة في السوق. لن يقتصر دور القادة الذين يتبنّون هذه الأولويات على تحفيز النمو اليوم فحسب، بل سيرسمون معالم مستقبل تتحوّل فيه المنطقة من مستهلك إلى مُنتِج، وتعزز قدرتها على الصمود، وترسخ مكانتها كجهة رائدة ومبتكرة عالمياً.
الفائزون في العقد المقبل سيكونون من يبادرون إلى التحرّك اليوم قبل الغد.