إمكانات التحوّل في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية

culture-hero image

النهضة الثقافية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية

في عالم الثقافة والإبداع النابض بالحيوية، يمكن للأفكار البسيطة إحداث إنجازات عظيمة. يتردَّد صدى هذا المفهوم عالميًا حيث تدرك الحكومات حجم الإمكانات التي يوفرها قطاع الصّناعات الثقافية والإبداعية في دفع عجلة النمو الاقتصادي، ولذلك يدعم صانعو السّياسات باستمرار سُبل تطوير هذا القطاع من خلال إقامة شراكات حيوية مع شركات الأعمال، والمؤسَّسات التعليمية، والمستثمرين، والجهات غير الربحية.

إنَّ رعاية الصناعات الثقافية والإبداعية من شأنها أن تُثري التجربة الإنسانية، ممّا يؤدي بدوره إلى ازدهار التّراث الثقافي وتوفير مزايا اجتماعية واقتصادية هائلة. يتجلى هذا بوضوح في منطقة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تَسعى حثيثًا إلى وضع هذه الصناعات في طليعة خططها واستراتيجياتها الوطنية، والاستفادة من ثرواتها الثقافية وإمكاناتها الكبيرة في تحقيق التنمية الاقتصادية.

إنَّ تنمية هذه الصّناعات هي الجسر الأساسي الذي يربط بين الأولويات الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى الوفاء بها في الوقت الراهن، كما أنّ ذلك يُثير تساؤلات هامة حول مفهوم الثقافة كمنفعة عامة مقارنة بكونها محرّكًا اقتصاديًّا. لا تساهم هذه الصّناعات في الاقتصاد فحسب، بل تعمل كمحفِّزات للإبداع والابتكار، ومصادر لخلق فرص عمل شاملة، وتعزيز القدرة التنافسية الوطنية. كما أنَّها تعزّز الروابط بين المجتمعات، وتفتح آفاقًا جديدةً للتعبير الفنيّ، وتثري حياة المواطنين.

يُقدِّم هذا التقرير للمؤسّسات الحكومية وغير الحكومية الفاعلة في المنظومة الأسس الاستراتيجية التي تَهدف إلى تسريع عجلة النّمو ومواجهة التحدّيات التي تعترض سبيل الصّناعات الثقافية والإبداعية في المنطقة. وتُشكّل هذه الأسس إطارًا عمليًّا يمكن للأطراف المعنية الاعتماد عليه في تحفيز الصّناعات الثقافية والإبداعية، وتعزيزها، ورفع مكانتها.

استكشاف عالم الصناعات الثقافية والإبداعية الحيوي

في هذا العالم المعقَّد والمترابط الزاخر بالإمكانيَّات، يُمكن للصناعات الثقافية والإبداعية أن تربط بين صناعات ومناطق جغرافية مختلفة. وفقًا لمنظَّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ("اليونسكو")، تشمل الصناعات الثقافية والإبداعية القطاعات العاملة في إنتاج، وإعادة إنتاج، وترويج، وتوزيع، وتسويق السِّلع والخدمات والأنشطة ذات الطابع الثقافيّ أو الفنيّ أو التراثيّ. وهذا التعريف الواسع يحمل في طيّاته تفسيرات فريدة تُميّز كل بلد عن الآخر، بما يعكس التراث الثقافي لكل بلد، وهويته، وتطلعاته الاستراتيجية. كما يسلّط هذا المفهوم المرن للصّناعات الثقافية والإبداعية الضوء على الإمكانات الهائلة لهذه الصناعات، وارتباطها الوثيق بصناعات أساسية موازية مثل السّياحة والضّيافة، ممَّا يُلقي بصدى أكبر لدى الفئات المستهدفة المتنوّعة.

وفي خضم البيئة الحيوية والمتجددة التي تتمتع بها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإنّ تطوّر الصّناعات الثقافية والإبداعية ما هو إلّا مرآة للتحوُّل في سلوك المستهلك والتقدُّم التّكنولوجي، كما أنّه يتيح فرصةً مثاليةً لاستكشاف الإمكانيَّات الاقتصادية لهذه الصّناعات بطرق مبتكرة ومستدامة، مع الحفاظ على التُّراث الثقافي المادي والمعنوي، ليظل حيًّا نابضًا للأجيال الحالية والمستقبلية. ويستند هذا التطوُّر إلى مؤشّرات رئيسيَّة تؤثّر على القطاع من خلال التركيز على بعض النواحي الاستراتيجية:

 

يتزايد الاهتمام بتحسين تجربة المستهلك من خلال توفير تجارب مميّزة لتناسب اهتمامات المستهلكين. ويستدعي هذا التحوُّل الابتعاد عن الأساليب التقليدية العامة التي تعتمد على "نموذج واحد مناسب للجميع" والاتجاه إلى خلق تجارب تفاعليَّة، ثرية ثقافيًا ومحفّزة فكريًا، تلبي تفضيلات المستهلكين المتنوّعة. وهذا التَّطوُّر يعكس فهمًا عميقًا للطابع الثقافي الفريد للمنطقة، ويُسهم في إثراء رحلة المستهلك من خلال تجارب مصمَّمة خصيصًا لاهتماماته واحتياجاته.

يقع القطاع الإبداعي في مفترق الطرق بين الثقافة، والتكنولوجيا، والعلوم، والتجارة. تؤدي التكنولوجيا دورًا محوريًّا في عرض المنتجات والخدمات الفنية والفكرية حيث تُسهم التطوُّرات في الوسائط الرقميَّة، والذَّكاء الاصطناعي، وتقنيَّة سلسلة الكتل (البلوك تشين) في الارتقاء بآليَّات صناعة المحتوى، وتوزيعه، وتحقيق العوائد منه. ضخّت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية استثمارات كبيرة في الذكاء الاصطناعي، والبنية الأساسية الرقمية، مما أدى إلى خلق بيئة إبداعية متطورة تقنيًا. وخير شاهد على ذلك هو الازدهار الملحوظ في التّجارة الإلكترونية في مجالات الفنون والحرف اليدوية، فضلاً عن استخدام التقنيات المؤثّرة التي توفر تجارب تفاعلية جديدة لاستكشاف المحتوى الثقافي والأعمال الإبداعية.

تتّجه الصناعات الثقافية والإبداعية في المنطقة بشكلٍ متزايد إلى فتح آفاق جديدة تتجاوز حدودها الإقليمية، متطلعةً إلى ترك بصمة واضحة على الساحة العالمية. ويتجلى ذلك بوضوحٍ من خلال إبرام الشراكات الدولية، والمشاركة النشطة في الفعاليات الثقافية العالمية، وتعزيز وصول الجمهور إلى المحتوى المحليّ من خلال المعارض التي تُقامُ على المستوى العالمي، والتي تهدف إلى إبراز ثقافة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للعالم. إنَّ الموقع الاستراتيجي الفريد للمنطقة، إلى جانب الاستثمار في البنى الأساسية ذات الطراز العالمي، مثل المدن الإعلامية والمراكز الثقافية، من شأنهما تسريع وتيرة هذا الانتشار العالمي.

يُعد التنوّع الاقتصادي ركيزةً جوهريَّةً وحيوية في المنطقة، فمع وجود فئات شابة وحيوية في المجتمع تتطلع إلى المحتوى الإبداعي والتجارب المبتكرة، تدرك حكومات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مدى أهمية تعزيز صناعاتها الثقافية والإبداعية، باعتبارها محركات رئيسية للنمو والتنويع الاقتصادي. ومع خططها الرامية إلى تقليص الاعتماد على النفط، تضخ الدول الخليجية استثمارات هائلة في مجالات السياحة الثقافية، والترفيه، والصّناعات الإبداعية، باعتبارها محركات اقتصادية جديدة، حيث من المتوقع أن تشهد الاقتصادات الإبداعية ازدهارًا متواصلاً في السَّنوات القليلة القادمة.

أصبحت الاستدامة حجر الزَّاوية في تطوُّر الصّناعات الثقافية والإبداعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث يتزايد الاهتمام بالإنتاج، والفعَّاليَّات، والمحتوى الصديق للبيئة الَّذي يعزّز الوعي البيئيّ. كما يتزايد اهتمام مهرجانات الأفلام والموسيقى والمعارض الفنيَّة والفعَّاليَّات الثقافية في المنطقة بالممارسات الخضراء. يأتي هذا التحوّل متناغمًا مع الأهداف الإقليميَّة الكبرى المتعلقة بالاستدامة، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بممارسات الماضي المستدامة التي كانت تعتمد على الموارد المحليَّة النادرة، مثل صناعة السِلال من سَعف النَّخيل. وفي ظل الخطط الطموحة السَّاعية إلى تحقيق الحياد الكربونيّ، فإن قادة الثقافة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أمام فرصة فريدة للدمج بين الثَّقافة والاستدامة.

إمكانات التحوّل في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية في دول مجلس التعاون لدول الخليجي

تحميل

(PDF of 3.81MB)

المؤلفين

Hiba Darwish

Partner, Government & Public Sector Consulting, PwC Middle East

+971565475359

Email

Hafez Salameh

Director | Government & Public Sector, PwC Middle East

+971 54 793 3824

Email

اكتشف المزید

Muhannad Al-Qaddomi

Partner, Strategy and Transformation Leader, Government and Public Sector, PwC Middle East

+971 50 900 9516

Email

Ismail Dalli

Partner, Public Safety and Justice, Government and Public Sector, PwC Middle East

+971 52 799 2594

Email

Contact us

Rajat Chowdhary

Partner, Technology Consulting, PwC Middle East

Tel: +971 50 429 3733

Sharang Gupta

Director, Technology Consulting, PwC Middle East

Tel: +971 50 432 6559

Vishesh Kalia

Director, Technology Consulting, PwC Middle East

Tel: + 971 56 520 3814

Contact us

Fadi Komati

Fadi Komati

Technology Consulting Partner and SpaceTech Leader, PwC Middle East

Joseph  Abboud

Joseph Abboud

Technology Consulting, Partner, PwC Middle East