مواكبة المستقبل:
الاستعداد للتطورات المستقبلية

وجهات نظر عالمية حول مستقبل العمل الشرطي

أبريل 2022

English

مواكبة المستقبل:
الاستعداد للتطورات المستقبلية

وجهات نظر عالمية حول مستقبل العمل الشرطي

أبريل 2022

English

استباق التهديدات والتحديات العالمية التي يحملها المستقبل


حتى قبل تفشي الجائحة، كان السؤال الملح على حكومات العالم هو "كيف يمكننا الحفاظ على أمن مجتمعاتنا – حاضراً ومستقبلاً"؟ ويحتل الأمن والسلامة مركز الصدارة في هذا النقاش لما لهما من دور بالغ الأهمية في تعزيز رفاهية المجتمعات ودفع عجلة النمو والاستقرار الاقتصادي.

وعلى مدى السنوات الثلاثة الماضية، تسارعت عملية تبنّي العديد من التوجهات والتقنيات الجديدة التي حققت نجاحاً منقطع النظير في قطاع الأمن. وها نحن اليوم تتجلى أمامنا ثروة من الخبرات المكتسبة والدروس المستفادة والرؤى التي يمكن الاستفادة منها من أجل تعزيز الثقة في الحكومة والتوجه نحو تحقيق نتائج مستدامة.

وللتعرف على هذه الرؤى، يتحدث كبار خبرائنا في مجال الأمن والسلامة العالميين عن وجهات نظرهم حول مستقبل العمل الشرطي، حيث يعتمد هذا التقرير على وجهات نظرهم في صياغة نظرة استراتيجية لحماية القانون وقادة إنفاذ القانون في شتى أرجاء العالم.

ويتميز قطاع عملنا بالديناميكية وسرعة الحركة والمرونة، ويجب أن يستمر كذلك إذا أردنا البقاء في الطليعة! ففي منطقة الشرق الأوسط، يمثل طموح القيادات ورؤيتها، فضلاً عن وتيرة التحول الحكومي، ضرورة ملحة للتفكير في النتائج والتوصيات الواردة في هذا التقرير والاستفادة منها. وإنه لمن دواعي سرورنا وفخرنا أن نقدم هذا التقرير المهم في القمة العالمية الشرطية ليكون دليلاً مرجعياً موجزاً ومفيداً لكبار القادة في العمل الشرطي الذين يسعون إلى غدٍ أفضل وأكثر أماناً.

Picture of the article's author

رامي الناظر
رئيس القطاع العالمي لاستشارات القطاع الحكومي والعام

Picture of the article's author

جورج ألدرز
رئيس القطاع العالمي للأمن والسلامة

نقطة التحول في مسار السلامة العامة

واجهت قوات الشرطة نقطة تحول رئيسية ثانية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. فقد أدى الاضطراب والتغيير والفوضى التي نشأت (في البداية) عن عمليات الإغلاق نتيجة تفشي جائحة كوفيد-19، والتحول إلى العمل والتعليم الافتراضيين، بالإضافة إلى فرض قيود ولوائح كوفيد-19 طويلة الأجل، إلى ظهور أولويات وتحديات جديدة في مجال إنفاذ القانون والسلامة العامة. وواجه مسؤولو الاستجابة للطوارئ من المدنيين وأفراد الشرطة تحولاً بعيداً عن الجرائم التقليدية أو جرائم الشوارع وزيادة ملحوظة في التهديدات السيبرانية والعنف الأسري والتزييف والاحتيال. وساهم ذلك في الأساس في الإسراع بتنفيذ العديد من التغييرات التي كانت في طريقها بالفعل إلى التنفيذ والتي سلطت عليها شركة بي دبليو سي الضوء في تقرير العمل الشرطي في عالم متصل بالإنترنت، علماً بأن كل هذا يجب أن يصاحبه تحقيق التوازن مع الحاجة إلى حماية السلامة الشخصية للضباط وأفراد الأمن.

"نحن بحاجة إلى الاستفادة من آفاق الفرص التي خلقتها جائحة كوفيد-19 للشرطة ... سواءً في تسريع الرقمنة أو الابتكار أو التعاون. لا سيما والأجهزة الشرطية تحرص الآن - أكثر من أي وقت مضى - على مواكبة النطورات المستقبلية"

وتواجه حكومات العالم مخاطر كبرى، إذ تؤثر جاهزية الحكومات وقدرتها على الصمود والمرونة في إدارة الجائحة تأثيراً مباشراً على ثقة الجمهور، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وجودة حياة المواطنين. وتفاوتت فعالية الاستجابة من دولة إلى أخرى وذلك اعتماداً على عدد من العوامل من بينها مستويات الرقمنة والتصورات والعلاقة بين المواطنين والحكومة، فضلاً عن الجاهزية "للتصرف السريع". ونتيجةً لذلك، ستكون أجهزة الشرطة القادرة على استباق التهديدات هي تلك التي تمكنت من مزج العناصر الرئيسية الثلاثة المتمثلة في الاستراتيجية والقدرة والتمويل في إطار عمل مستدام يضع أولويات واضحة، ويدمج العمليات، ويعزز من تنمية القدرات لإعادة فتح اقتصادات دولهم بسرعة مع الحفاظ على الصحة العامة وجودة الحياة.

ويستكشف هذا التقرير التأثير طويل الأمد للتغييرات الجارية وكيف ستظهر في المستقبل. ونقترح أن هناك خمسة توجهات رئيسية تُغير بشكل عميق من ملامح العمل الشرطي كما نعرفه اليوم.

 


نقلة نوعية في مهام أجهزة الشرطة
إعداد القوات الشرطية المستقبلية
منهج العمل الشرطي "المتمحور حول المواطن/ العميل"
نماذج الحوكمة والتشريعات "الجاهزة للمستقبل"
التعاون أولاً وأخيراً وقبل كل شيء

يواصل العمل الشرطي تطوره من شكله التقليدي المتمثل في الاستجابة للتهديدات الجارية وإنفاذ القانون والنظام العام إلى المهام الوقائية والاستباقية. وتهدف مهام الشرطة الوقائية -من خلال إقامة شراكات متطورة لحل المشكلات الماثلة من أجل تحديد الأسباب الجذرية للجريمة- إلى الحد من الضحايا وخفض معدلات الجريمة، ومن ثم، تقليل الطلب على الأعمال الشرطية التقليدية. ويبدأ العمل الشرطي الوقائي من المستويات العليا، بالتزام القيادة بجمع وتبادل المعلومات التي تسمح بتحديد التوجهات والأنماط السائدة. ولا تُمثل المعايير المستندة إلى الأدلة، وتصميم الهياكل المبتكرة ودمج الهياكل الجديدة لإدارة الأداء ومكافأة أصحاب الأداء العالي، والتعاون مع مجموعة واسعة من الشركاء غير التقليديين، سوى نزر يسير من العوامل التمكينية الرئيسية اللازمة لتنفيذ التحول المهم إلى الشرطة الحديثة.

وكما جرت العادة مع أي تغيير جذري، لا تأتي هذه النقلة النوعية دون تحديات مصاحبة لها. فالثقافة الشرطية في وضعها العادي ثقافة هرمية ومصممة حول مفهوم الضباط النظاميين الذين يحققون في الجرائم ويعيدون النظام ويقومون بالاعتقالات. أما الشرطة الوقائية فتتطلب دمج (جميع أنواع) المحللين في نسيج جهاز الشرطة ذاته بحيث يتعاون المحللون مستقبلاً مع الضباط النظاميين ومجموعة كاملة من أصحاب المصلحة في المجتمع الذين يتمتعون بقدرات أكبر ومؤهلات أفضل تؤهلهم للتعامل مع المشكلات الجذرية التي تؤدي إلى ارتكاب الجريمة. بالإضافة إلى ذلك، ستتحول المهارات السيبرانية شيئاً فشيئاً إلى جزء أصيل من تدريب أفراد الشرطة، عوضاً عن مجرد امتلاكهم للقدرات التي تتطلبها وحداتهم المتخصصة. وهناك تحدٍ رئيسي آخر يتمثل في التحيز الداخلي لمجموعات البيانات. فغالباً ما يجري تطوير المعلومات التي تحصل عليها الشرطة من أجل تحليل الجريمة لغرض حصر وتسجيل الحوادث بعد وقوعها بالفعل. ونتيجةً لذلك، غالباً ما تكون مصادرها متأصلة في المناطق المهمشة، مما يخلق تحيزاً ضد الأقليات والفئات الضعيفة الأخرى.

وقد بُذلت عدة محاولات لمعالجة بعضٍ من هذه المشكلات، وتم إحراز تقدم جيد في هذا الصدد. فجاءت استراتيجيات أكبر أجهزة الشرطة لتؤكد على قيمة الشرطة الوقائية، مع اتخاذ خطوات ملموسة لتوظيف المحللين وتدريبهم للعمل بنفس رتبة ضباط أو محققي الشرطة التقليديين.

وتواصل حكومات العالم العمل في هذا المجال. ففي الولايات المتحدة، يشترط مشروع قانون الخوارزمية الأميركي على الشركات الخاصة التي طورت خوارزميات اختبارها لكشف تحيزها من عدمه. وفي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، دخلت تقنية التعرف المباشر على الوجوه محل جدل كبير حتى حظرته بعض المدن بسبب مخاوف التحيز. وأخيراً، يعكف المنتدى الاقتصادي العالمي في الآونة الأخيرة، بالتعاون مع الأمم المتحدة والإنتربول، على إنشاء إطار حوكمة لمعالجة التحيز في تقنية التعرف على الوجوه.

 

لا شك أن الجريمة تتطور بسرعة كبيرة، إذ صار المجرمون يستخدمون التقنية لتعظيم نطاق عائداتهم وتأثيرها. وفي إطار إعادتهم لاستثمار عائداتهم لبناء قدراتهم، أصبح المجرمون قادرين على كشف واستغلال الثغرات ومواطن الضعف في أجهزة الشرطة بشكل أفضل وعبور الحدود الدولية. ولا شك أن التقنيات الحديثة أمدت الشرطة بمجموعة كبيرة من الفرص إلا أنها في الوقت نفسه ضاعفت من المخاطر التي تواجهها. فقد يكون لجريمة سيبرانية واحدة تأثير هائل وعدد كبير من الضحايا، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن معدلات تكرار استهداف الضحايا قد تصل إلى 25%.

وبوجه عام، يواجه العمل الشرطي عدداً متزايداً من التهديدات التكتيكية، ومشهداً استراتيجياً سريع التغير. ولسوء الحظ، لم يواكب الاستثمار في تطوير العمل الشرطي نظيره في الأوساط الإجرامية من حيث الحجم والوتيرة، حيث تشكل مشكلة التمويل أحد التحديات الرئيسية لتجهيز الشرطة بشكل أفضل لاستباق الجرائم. ومفتاح التغلب على هذا التحدي يكمن في الحصول على التمويل الصحيح والتناغم مع استراتيجية العمل الشرطي. فالفجوة بين الشرطة والمجرمين تواصل اتساعها، لاسيما فيما يتعلق بالمهارات والقدرات الرقمية. وأساس الحاجة إلى تمويل أجهزة الشرطة وتزويدها بالمهارات الرقمية يكمن في الاحتياج إلى استقطاب الكوادر البشرية المؤهلة الذين يمكنهم البحث والابتكار في مجال العمل الشرطي، والأهم من ذلك، تنمية مهارات أفراد الأمن الحاليين ومدهم بالمهارات الرقمية ورفع كفاءة نماذج التشغيل وتحويلها إلى نماذج رقمية بما يدعم الاسترشاد بالتقنيات الحديثة في اتخاذ القرارات العاجلة وتقديم تقارير عن الأداء. وإلى جانب المسائل المالية، يتطلب التحول الرقمي والانتقال إلى العمل الشرطي القائم على الأدلة -في المقام الأول- إحداث تحول في العقلية وإيجاد ثقافة تتسم بالمرونة وتتبنى التواصل والتعاون والتغيير.

وهناك خطوات جارية بالفعل في هذا الصدد، بل يمكننا القول إن قواتنا الشرطية المستقبلية التي تتميز بالمرونة وتمتلك المهارات الرقمية وتعمل بناء على الأدلة قد بدأت في التشكل بالفعل. ومع تقدم المزيد من جيل الألفية في حياتهم المهنية، من المحتمل أن تصبح أجهزة الشرطة أكثر انفتاحاً وتعاوناً في ظل التغير المستمر في بروتوكولات ومتطلبات التوظيف التي صارت أكثر تركيزاً على المهارات الرقمية. وهناك عدد من المبادرات الوطنية قيد التنفيذ بالفعل لإضفاء الطابع المهني على خدمة الشرطة، وصياغة خصائص "شرطة المستقبل" بقدر أكبر من الوضوح. وأبرز هذه المبادرات ما نشرته كلية الشرطة البريطانية من أفضل الممارسات في العمل الشرطي، بالإضافة إلى سعيها الدؤوب للتحسين المستمر. ونظراً لأن مواجهة الجائحة شملت انخراط متخصصين مؤهلين بشكل أفضل للتعامل مع بعض احتياجات "رجال النجدة"، زاد التنوع في قوات الشرطة وأصبح أكثر شمولية حيث صارت تجمع بين المتخصصين في الصحة النفسية والأخصائيين الاجتماعيين وغيرهم من أصحاب المصلحة في المجتمع. وقد أخذ مركز التعاون السيبراني الأسترالي خطوة إلى الأمام في هذا المجال بتوفير إطار مؤسسي للشركات الصغيرة والأوساط الأكاديمية والصناعات للتعاون مع الحكومة وأجهزة الشرطة لتقليل المخاطر السيبرانية.

تمر ثقة الجمهور في عمل الشرطة حالياً بمفترق طرق بالغ الأهمية، فمن ناحية نجد أن الأرقام الاسترشادية حول استجابة الشرطة لجائحة كوفيد-19 وإدارتها للأزمة المرتبطة بها إيجابية. ولكن يقابل هذه الأرقام الإيجابية ردود فعل بشأن التقارير المتعلقة بسوء سلوك الشرطة وتمييزها العنصري وما تقوم به من انتهاكات في حق بعض الأفراد والمواطنين. وفضلاً عما سبق، هناك اتجاه عام يقول إن الشباب والأقليات هم أقل فئات المجتمع ثقة في العمل الشرطي. فقد أثرت الجائحة بشكل غير متناسب على أشد الفئات ضعفاً في المجتمع، ومن ثم خلقت فجوات كبيرة في مستويات الثقة في الحكومة بين "الأغنياء والفقراء". ومن الجلي أن مقدار الثقة يتباين من سياق إلى آخر حسب المستويات الإجمالية للثقة في الحكومة، والتركيبة السكانية للدائرة أو المنطقة المعنية، وكذلك مستوى التفاعلات مع الشرطة التي تحدث خارج سياق إنفاذ القانون والاعتقال.1

ومن المهم تقييم النجاحات الكبرى التي ساعدت التقنية في إدخالها على مهام العمل اليومية لأجهزة وأفراد الشرطة. فمن المعلوم أن تعامل المواطنين مع الشرطة يمتد إلى ما وراء إنفاذ القانون، ويشمل مجموعة متنوعة من الخدمات انطلاقاً من مراقبة الحركة المرورية ودعم الضحايا والشهود إلى نقل الأصول العامة ومراقبتها. وعند تطبيق التقنية على منظومة عمل أجهزة الشرطة بشكل عام، يمكن لأجهزة الشرطة تقديم تجربة "عميل" سلسة ومتكاملة، من المحتمل أن يمتد تأثيرها ليؤثر وعلى نطاق واسع على السلامة والأمن بوجه عام. ومن الأمثلة على ذلك "مراكز الشرطة الذكية" التي أنشأتها شرطة دبي. وتقدم مراكز الخدمة الذاتية هذه 27 خدمة أساسية و33 خدمة فرعية بست لغات مختلفة، في مجالات تتراوح من الخدمات المتعلقة بالجريمة إلى الخدمات المجتمعية والمرورية، فضلاً عن إصدار التصاريح والشهادات. وتتوفر المراكز بأشكال متنوعة (مراكز كبيرة للمراجعين، ومراكز للسيارات، وأكشاك)، وتفتح مراكز الشرطة الذكية أبوابها أمام المتعاملين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

وعلى مدى السنوات الماضية، تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة استراتيجية للوصول إلى خدمات الشرطة، وتزويد الشرطة ببيانات مهمة لمنع الجريمة والاستجابة لها. وتتيح الآن وسائل الإعلام الرقمي أو وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الجوال إمكانية التواصل والتفاعل في الوقت الحقيقي بين الشرطة والجمهور، وبين أفراد الشرطة وبعضهم. ومع ذلك، تمثل وسائل التواصل الاجتماعي سلاحاً ذا حدين فهي من ناحية تُخضع الشرطة أيضاً لمزيد من الانكشاف والتدقيق العام، مما يؤدي إلى الارتقاء بمستوى الكفاءة والفعالية في تقديم الخدمات، وفي الوقت ذاته تمثل بوصلة أخلاقية تبقي الشرطة تحت المجهر متى قامت الحاجة إلى ذلك.

ومن بين التحديات الرئيسية أمام الاستفادة من الإمكانات الكاملة للتقنية في تحسين تجربة العملاء ضمان تماسك السياسة الرقمية. فبدلاً من مجرد شراء التقنيات الرائدة واعتمادها، يجب دمج الأتمتة وتنظيمها في جميع جوانب العمليات، سواءً أكانت تتعلق بالأفراد أو البنية التحتية أو الثقافة، وتنظيمها وتنسيقها مع الجهات والأجهزة الأخرى.

1) في المملكة المتحدة، أدت الزيارات المنزلية الودية من قبل الشرطة إلى زيادة ثقة الجمهور في الشرطة بنسبة 6% و 11% بين الأقليات.

في ظل زيادة استخدام التقنيات الحديثة، وتبادل المعلومات والبيانات، تزداد أهمية الأمن السيبراني والحاجة إلى الحد من المخاطر المرتبطة باختراقات البيانات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الانتقال من العمل الشرطي التقليدي إلى العمل الشرطي القائم على الأدلة وتقنيات التخزين السحابي قد خلق ضرورة حتمية لحماية خصوصية وأمن البيانات التي يجري تبادلها باستخدام وسائل رقمية أو عبر آليات التعاون المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وهذا ينطبق على ضمان نزاهة التحقيق في الجرائم وحماية الحريات الشخصية للمتورطين في الجرائم. وتدرك أجهزة الشرطة في جميع أنحاء العالم أنها ملزمة حالياً بتنظيم الأمن السيبراني وإنفاذه مع حماية الأدلة الرقمية التي بحوزتها كما كانت ملزمة في السابق بحماية الأدلة المادية.

والتحدي الرئيسي لقادة أجهزة الشرطة هو استباق المجرمين والجرائم الجديدة غير المعروفة. ففي الآونة الأخيرة، أقرت الحكومات قوانين ولوائح تُمكّن عمليات الشرطة السرية على شبكة الإنترنت المظلمة، التي طالما اعتُبرت بعيدة عن متناول سلطات إنفاذ القانون. ونتيجة لذلك، ومن خلال الجمع بين العمل الشرطي الاستقصائي التقليدي والتقنيات الحديثة، تمكنت أجهزة الشرطة من كشف جميع أنواع المجرمين واعتقالهم وإدانتهم سواءً كانوا تجار مخدرات أو سلاح أو مستغلين للأطفال في المواد الإباحية أو إرهابيين أو غيرهم من المجرمين. وفي المرحلة المقبلة وفي الوقت الذي يزداد فيه المجرمون تطوراً وابتكاراً، سيواصل المشرعون وأجهزة الشرطة في تحديد الثغرات ومصادر الخطأ البشري، وإنشاء مداخل لإنفاذ القانون من خلال تشريعات ونماذج حوكمة مبتكرة.

ومن الملاحظ أن الحكومات تتخذ خطوات ملموسة في جميع الاتجاهات لحماية البيانات وإعطاء الأولوية للعمل الشرطي الأخلاقي. ولا شك أن الحكومات قد تحركت بخطوات منسقة لتنظيم نشاط الشرطة مدفوعة بجهود المنظمات الدولية والوطنية لحقوق الإنسان والغضب العام ضد وحشية الشرطة. وأحد أبرز الأمثلة وأحدثها في هذا الصدد هو قانون جورج فلويد للعدالة في الشرطة، والذي صيغ ليكون "منهجاً جريئاً وشاملاً لمحاسبة الشرطة، وتغيير ثقافة إنفاذ القانون، وتمكين المجتمعات، وبناء الثقة بين سلطات إنفاذ القانون والمجتمعات من خلال التصدي للعنصرية المنهجية والتحيز بما يساعد في إنقاذ الأرواح"2. ومع تطور المجتمعات وبالتالي الحكومات، ستتواصل جهود صياغة التشريعات المُخصصة حسب مقتضيات السياق المحلي لمواجهة التحديات والتحيزات ذات الصلة.

2) "قانون العدالة في الشرطة"، لجنة القضاء بمجلس النواب الأميركي". https://judicial.house.gov/issues/issue/؟

تتمثل الفكرة الأساسية لهذا التقرير في توضيح أن النظرة التقليدية لكون العمل الشرطي مسؤولية أجهزة الشرطة وحدها لم يعد لها مكان في عالمنا بعد الآن. فالشراكة بين الشرطة والجهات الفاعلة الأخرى ركيزة أساسية للنجاح في المستقبل، الذي سيشهد وجود طائفة متنوعة من مجموعات المهارات والخصائص المدعومة بمجموعة من الشراكات مع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في قوات الشرطة على المستوى التنظيمي. وأطلقت كندا العديد من المبادرات الأولية للشراكة مع جهات مختلفة على مستوى البلديات والمناطق والدولة ككل. ويمكن بل يجب أن تكون هذه الشراكات مدعومة من خلال مبادرات حكومية تُقرها تشريعات مثل "تشريعات رفاه وسلامة المجتمع في أونتاريو" والتي تعمل على إضفاء الطابع المؤسسي على الشراكات المبرمة بين الشرطة والجهات الفاعلة الأخرى نحو تحقيق الأهداف المشتركة.

ويُعد تبادل المعلومات نقطة محورية للتعاون بين الأجهزة، ويسمح لمسؤولي الأمن والسلامة بالوصول إلى البيانات في مناطق خارج نطاق ولايتهم أو نطاق وصولهم. فعلى سبيل المثال، يتزايد إنشاء منصات التعاون بين منصات مقدمي الخدمات الأمنية من القطاعين الخاص والحكومي لمواجهة التهديدات السيبرانية والتعامل معها. ويتيح هذا النوع من التعاون إعطاء إنذار مبكر من الجرائم السيبرانية المرتكبة. ونظراً لأن الأجهزة المختلفة تتبادل المعلومات والتقارير حول الجرائم السيبرانية، فإنها ستتطور من كونها مستخدمين إلى مستودعات للمعلومات ومراكز للتحليل لكشف التوجهات والأنماط الإجرامية السائدة. وفي هذا الصدد، فإن الابتكار العالمي البارز الذي لا يزال قيد التنفيذ Mark 43 سيوفر برمجيات السلامة العامة لأكثر من 120 جهة أسترالية ويدعم المنظومة الشاملة للأمن والسلامة. ويتمثل ابتكار Mark 43 في أنه يدمج التقنيات أو المنصات التشغيلية المختلفة ويجعل كل منها قابلة للبحث بشكل منفرد.

وبالنظر إلى ارتفاع معدلات التجسس والجريمة الدولية، هناك توجه قوي لصياغة اتفاقيات وشراكات من شأنها تعزيز تبادل المعلومات بين الحكومات. وحيثما وُجدت الإرادة السياسية للتعاون، يمكن أن تتمثل التحديات الرئيسية التي تواجه التعاون بين الحكومات في تحديد التهديدات المشتركة بالإضافة إلى توافر الموارد المادية والبشرية والمالية لتقديم المعلومات والتنفيذ على أرض الواقع. ويوفر هذا تداخلاً مهماً بين الدبلوماسية متعددة الأطراف والشرطة. وستلعب الاتفاقات الدولية والأجهزة المتخصصة مثل الإنتربول والرابطات الوطنية والمنظمات مثل الرابطة الدولية لرؤساء الشرطة دوراً متزايد الأهمية في دفع التعاون وتشجيع الابتكار الجذري وتحفيز الكفاءات التشغيلية للتنفيذ على الصعيدين الوطني والمحلي.

وأخيراً والأهم من ذلك كله، لقد أثبت الزمن أن تعاون المجتمع مع الشرطة (والعكس صحيح) هو حجر الزاوية لكفالة أمن وسلامة مجتمعاتنا. ويقع على عاتق الحكومات مسؤولية اكتساب ثقة الجمهور والحفاظ عليها من خلال إنشاء منصات وقنوات مناسبة للتواصل مع الجمهور. فقد أنشأت هولندا "منتديات التفكير الاستراتيجي" التي تجمع قيادات الشرطة مع المدعين العامين والأكاديميين ورؤساء بلديات المدن وغيرهم لاستكشاف الأسئلة والمعايير الأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وهي مجرد مثال واحد على قوة وإمكانات الشراكات بين المجتمع والشرطة. 

... في مستقبل مليء بالمجهول، تُظهر التوجهات الجارية في العمل الشرطي آمالاً لمجتمعات أكثر أمناً وأماناً.

Contact us

Rami  Nazer

Rami Nazer

, PwC Middle East

George Alders

George Alders

, PwC Netherlands

Muhannad Al-Qaddomi

Muhannad Al-Qaddomi

, PwC Middle East

Nesrine Halima

Nesrine Halima

, PwC Middle East

Andrew Morley

Andrew Morley

, PwC Middle East

Andrew Newsham

Andrew Newsham

, PwC United Kingdom

Follow us