بحسب التقرير الأول الصادرعن بي دبليو سي الشرق الأوسط بشأن حالة التقنيات المناخية في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن تكون المنطقة رائدة في مجال تطوير التقنيات التي تساعد على تحقيق الأهداف المناخية العالمية وذلك في حال جمعت بين مزاياها الطبيعية من جهة والتمويل والبحوث المركّزة من جهة أخرى
لقد أصبحت مخاطر التغيّر المناخي الذي لا يمكن كبحه واقعًا بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط التي باتت تواجه مشكلة انتشار الأراضي القاحلة وانخفاض منسوب المياه بشكل خاص. فالجفاف المستمر لسنوات عدّة، والعواصف الرملية المتكررة، ودرجات الحرارة السريعة الارتفاع - التي من المتوقّع أن ترتفع بمقدار 5 درجات مئوية بحلول العام 2100 - تعرّض حياة سكّان المنطقة البالغ عددهم 400 مليون لخطر متزايد.1
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من حكومات المنطقة وضعت مستهدفات واضحة تتمثل بتحقيق صفر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري خلال العقود المقبلة، لكنّ هذه الخطوة تتعارض مع الصورة العالمية الأوسع التي تشهد ارتفاعًا قياسيًا في انبعاثات هذه الغازات ومؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغيّر المناخ (COP27) الذي تم تنظيمه مؤخرًا في مصر وسلّط الضوء على علامات التقدّم البطيء في معالجة الأزمة المناخية. بالإضافة إلى ذلك، شهدت وتيرة الاستثمار في التقنيات نفسها القادرة على إنتاج حلول مناخية جديدة تباطؤًا على المستويين الإقليمي والعالمي.
وفي هذا السياق، تمتلك منطقة الشرق الأوسط فرصة فريدة من نوعها لا تقتصر على اتخاذ الإجراءات اللازمة وحسب، بل تمتد لتشمل إمكانية ريادة المجال. ففي حال عملت المنطقة على حشد استجابة استثمارية جماعية وواسعة النطاق، يمكنها أن تضطلع بدور رائد في تطوير حلول مبتكرة تساهم بشكل كبير في الجهود الرامية إلى الحدّ من التغيّر المناخي. وفي قسم لاحق من هذا التقرير، نلقي الضوء على خمس تقنيات مماثلة يبيّن تحليلنا أنها تمتلك قدرة عالية على النمو والتأثير - وهي الطاقة الشمسية، والمفاعلات الحيوية التي تحوّل الطاقة إلى بروتين صالح للأكل، والهيدروجين الأخضر والوقود الاصطناعي، والبلاستيك المعاد تدويره، وتقنية تحويل المخلفات إلى طاقة - مع الإشارة إلى إمكانية استخدام تقنيات أخرى أيضًا وتشمل تحلية المياه المستدامة، والتقاط الكربون، والحلول القائمة على الطبيعة للبيئات القاحلة.
من خلال منح الأولوية لتقنيات مماثلة، تستطيع دول منطقة الشرق الأوسط إعادة توجيه اقتصاداتها لتصبح أكثر مراعاةً للبيئة، ومعالجة بعض أبرز التحديات المناخية التي تواجهها بشكل استباقي، ومن بينها ندرة المياه والجفاف.2
ولا شكّ في أن المنطقة، لا سيّما دول مجلس التعاون الخليجي، تتمتّع بمكانة تخوّلها أن تكون رائدة في مجال التقنيات المناخية وذلك لأسباب عدة. أولًا، تبلغ تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والهيدروجين الأخضر في الخليج حوالى ثلث المتوسط العالمي، فهذه المنطقة تضم بؤرًا تتميز بموارد رياح عالية السرعة وتُعتبر المنطقة الأعلى إنتاجًا للطاقة الشمسية الفولطية في العالم - وهي تتماشى موسميًا مع الطلب.3 ثانيًا، وفي الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد العالمي نموًا بطيئًا، تمتلك صناديق الثروة السيادية القدرة على تخصيص مبالغ كبيرة لتمويل الابتكار في مجال التقنيات المناخية على مستوى المنطقة وخارجها. وثالثًا، يمكن أن يساهم التركيز الواضح على تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة أكثر مراعاة للبيئة والريادة العالمية في مجال التقنيات الجديدة المرتبطة بالمناخ في تسريع عملية تحقيق الأهداف التي سبق تحديدها بهدف تنويع الاقتصاد الإقليمي وبناء مصادر جديدة للازدهار في المستقبل.
إن الاضطلاع بدور رائد في مجال التقنيات المناخية يتطلب مستوى أعلى من التركيز والتمويل، وتغييرات في المتطلبات التنظيمية ومتطلبات إعداد التقارير من أجل تمكين نمو منظومة التقنيات المناخية. وبشكل عام، سيتعيّن على دول مجلس التعاون الخليجي والدول الأخرى في المنطقة معالجة مجموعة من تحديات التوطين في إطار سعيها لتحقيق رؤية الشرق الأوسط الأخضر. وفي حال نجحت في مساعيها هذه، ستحقق المنطقة - والكوكب - منافع كبيرة. وفي الوقت نفسه، ليس أمام الدول في الشرق الأوسط خيار سوى أخذ زمام المبادرة في بعض المجالات بهدف مساعدة أنفسها، فالتحديات المتعلقة بالمياه في المنطقة، من بين جملة من التحديات المناخية الأخرى التي تنفرد بها المنطقة، تستدعي أن تجد هذه الدول حلولها الخاصة على المدى الأطول.
يبيّن أحدث تحليل أجريناه لحالة التقنيات المناخية على مستوى العالم أن التقنيات المناخية4 بجميع أشكالها شهدت نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، لا سيما أن صناديق رؤوس الأموال المغامرة ركّزت على مجموعة من التقنيات الواعدة - الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بالدرجة الأولى - إنما أيضًا على التقنيات الأخرى الناشئة، بما فيها الهيدروجين الأخضر.
ومع ذلك، شهد العام 2022 بعض الجمود في نمو التمويل على المستوى العالمي، بعد أن ارتفعت نسبة الاستثمار في العام 2021، ما أدى إلى تراجع دوري في مستويات الاستثمار الرئيسية. فقد انخفض تمويل رؤوس الأموال المغامرة للشركات الناشئة في مجال التقنيات المناخية بقيمة 52 مليار دولار أمريكي في الفصول الثلاثة الأولى من العام 2022، أو بنسبة أقل بـ30% مقارنةً بالفترة نفسها في العام الماضي (الشكل 1).5 بالإضافة إلى ذلك، يتجه حجم التمويل الكبير في المراحل المبكرة والمطلوب لتوسيع نطاق الموجة التالية من قصص نجاح التقنيات المناخية بالاتجاه الخاطئ.
وفي هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة إلى أن تراجع الاستثمارات في التقنيات المناخية على مستوى العالم يتناقض بشكل حادّ مع الدعوات الملحّة التي تم إطلاقها خلال مؤتمر الأطراف السابع والعشرين وفي فعاليات أخرى بهدف اتخاذ المزيد من الإجراءات بشكل فوري لمواجهة مشكلة ارتفاع درجات حرارة الأرض. ومع ذلك، وإذا نظرنا إلى الأمور من الناحية الإيجابية، نلاحظ أن مستوى الاستثمار في التقنيات المناخية على الصعيد العالمي يبقى أعلى من المستويات التي كان عليها قبل عامين، وأن تباطؤ الاستثمار - الذي بات يمثّل الآن أكثر من الربع لكل دولار مغامر يتم استثماره - أقل من مستوى تباطؤ السوق الأوسع لرؤوس الأموال المغامرة.6
في منطقة الشرق الأوسط، يتماشى التوجّه العام للاستثمار في التقنيات مع ذلك السائد عالميًا، فبعد الزيادات الحادّة التي شهدها إجمالي التمويل المخصص للتقنيات في السنوات القليلة الماضية والتي استمرت في النصف الأول من العام 2022، تباطأ هذا الزخم في النصف الثاني من العام (الشكل 2).
إلا أن هذه الأرقام العامة لا تروي القصة الكاملة عن الاهتمام المتزايد بالتقنيات المناخية في المنطقة. فقد واصلت الاستثمارات في التقنيات المناخية تأثيراتها الإيجابية في ظل ازدياد الإقبال على الاستثمار الأخضر، وفي هذا الإطار قمنا بتحديد 98 شركة ناشئة في مجال التقنيات المناخية تتلقى التمويل في المنطقة.7
من الصعب الحصول على بيانات شاملة ودقيقة. ولكن، بناءً على التحليل الذي أجريناه في هذا التقرير والذي يشمل 12 دولة في منطقة الشرق الأوسط، تبيّن أنه تم استثمار 6 مليار دولار أمريكي في التقنيات المناخية منذ العام 2013، منها 1.6 مليار دولار أمريكي تمّ استثمارها في النصف الأول من العام 2022 وحده (الشكل 3).
ويبدو أن هذا الزخم سيزداد أكثر فأكثر. فقبل أيام فقط من انطلاق مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، أعلنت شركة أرامكو السعودية عن إنشاء صندوق للاستدامة بقيمة 1.5 مليار دولار أمريكي للاستثمار في التقنيات اللازمة بهدف دعم عملية التحوّل إلى الطاقة الخضراء.8 وسوف يكون الصندوق أحد أكبر صناديق رؤوس الأموال المغامرة التي تركّز على الاستدامة في العالم. كذلك، وقبل أسبوع من انطلاق مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقية استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 100 مليار دولار أمريكي في مشاريع الطاقة النظيفة، مع التركيز على الاستثمار في سلاسل التوريد المسؤولة والمرنة، والترويج للاستثمارات في التعدين الأخضر - وهو إعلان مهم لا سيما أن الدولة تستعد لاستضافة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في وقت لاحق من العام 2023. ومن بين الجهات الأخرى التي أعلنت عن خطوات مهمة في المنطقة بنك المشرق في الإمارات الذي يخطط لزيادة تمويله المستدام ليصل إلى 30 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2030، بالإضافة إلى مجموعة التنسيق العربية - وهي عبارة عن تحالف لصناديق التنمية الإقليمية - التي تعهدت، إلى جانب صندوق أوبك للتنمية الدولية الذي يتولى مهمة تنسيق عملية تمويل أنشطة مكافحة التغيّر المناخي، بتقديم ما لا يقل عن 24 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2030 لتمويل هذا النوع من الأنشطة.9
تؤدي صناديق الثروة السيادية دورًا أكبر في تحويل المنطقة إلى منطقة أكثر اخضرارًا. ويشمل ذلك بناء البنية التحتية الضرورية وتمكين المنظومة اللازمة لاقتصاد أكثر مراعاة للبيئة. فعلى سبيل المثال، أطلقت شركات الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية (أي صندوق الاستثمارات العامة ومجموعة تداول السعودية، وهي الشركة القابضة التي تدير سوق الأوراق المالية المحلية) شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية التي ستساعد المنشآت في منطقة الشرق الأوسط في مهمتها الرامية إلى الحدّ من بصمتها الكربونية.10 وستعمل هذه الشركة الجديدة على تقديم شهادات الائتمان الكربوني المثبتة والمعتمدة والعالية الجودة. بالإضافة إلى ذلك، أطلق صندوق الاستثمارات العامة هذا العام شركة "سير"، وهي أول علامة تجارية سعودية لصناعة السيارات الكهربائية في المملكة، في إطار الجهود المبذولة للحدّ من انبعاثات الكربون ودعم الأجندة الخضراء في المنطقة.
من بين الجوانب الإيجابية التي يجب تسليط الضوء عليها أيضًا الاتجاه العام السائد في منطقة الشرق الأوسط والمتمثل بتخصيص معظم الاستثمارات في التقنيات المناخية لتطوير تقنيات في المجالات التي تتطلب تركيزًا أكبر على الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحديدًا في القطاعات التي تُعتبر مسؤولة أكثر من غيرها عن هذا النوع من الانبعاثات. وتبيّن البيانات التي جمعناها أنه يتم تخصيص حوالى ثلثي الاستثمارات للقطاعات التي تولّد نسبة 85% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (الشكل 4).
إلا أن الأمور تختلف على المستوى العالمي إذ يتم تخصيص حوالى نصف الاستثمارات في التقنيات المناخية لقطاع النقل، وهي نسبة غير متكافئة نظرًا إلى أن هذا القطاع مسؤول عن 15% من الانبعاثات فقط. ونتيجة لذلك، لا تتلقى القطاعات المسؤولة عن إصدار نسبة كبيرة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثل الغذاء، والزراعة، واستخدام الأراضي، والصناعة - التي تنتج نسبة 56% من هذه الانبعاثات - سوى 20% من التمويل العالمي.
بالتأكيد، ثمة المزيد من الجهود التي يمكن بذلها على جميع المستويات. فبحسب تقرير حالة التقنيات المناخية على مستوى العالم الصادر عن شركة بي دبليو سي والذي يستند إلى تحليل بيانات بيتشبوك، تعمل حوالى 3% فقط من الشركات الناشئة والشركات المبتكرة الأخرى في المنطقة في مجال التقنيات المناخية. وفي حين لا تزال مصادر الطاقة المتجددة قيد التطوير، لا تولّد سوى نسبة متواضعة من الطاقة في المنطقة. على سبيل المثال، تقلّ حصة الطاقة النظيفة في دبي عن 13% من إجمالي القدرة الإنتاجية ومن المتوقع أن تصل إلى 14% بحلول نهاية العام 2022. 11وتطمح دولة الإمارات إلى أن تصل هذه النسبة إلى 44% بحلول العام 2050، أي بارتفاع نسبته 7% عن المتوسط السائد اليوم.12 وعلى غرار الإمارات العربية المتحدة، تعتمد المملكة العربية السعودية إلى حدّ كبير على النفط لتلبية احتياجاتها من الطاقة وفي هذا الإطار، كثّفت استثماراتها في الطاقة الشمسية وأعلنت عن طموحاتها بتوليد نسبة 50% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030. 13
أما على مستوى العالم، فقد تؤدي الظروف السائدة في السوق والتي تتأثر بالتوترات الجيوسياسية المستمرة والمشاكل الأخرى المتعلقة بالعرض إلى تسريع عملية التغيير هذه، وفي هذا السياق تشير الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الأزمة الحالية قد تسرّع عملية التحوّل إلى الطاقة النظيفة. وبحسب التوقّعات الأخيرة للوكالة في مجال الطاقة العالمية، يجب أن يتضاعف الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة إلى أكثر من 4 تريليونات دولار أمريكي بحلول نهاية العقد للوصول إلى صفر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول العام 2050. 14 وتجدر الإشارة إلى أن أسواق التقنيات المناخية أظهرت مرونة مشجّعة، لا سيما أن 8 من أصل 10 مستثمرين شملهم الاستطلاع يخططون لزيادة استثماراتهم في المنتجات القائمة على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية خلال العامين المقبلين.
تمتلك منطقة الشرق الأوسط ميزة تنافسية في مجموعة من مجالات التقنيات المناخية، ما يعني أن المنطقة قادرة على الاضطلاع بدور ريادي عالمي في هذا المجال، في حال ترافقت هذه الميزة مع الاستثمار المركّز. وفي ما يلي الفرص الخمس التي يمكن لمنطقة الشرق الأوسط اغتنامها:
قبل بضع سنوات، كانت دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال متأخرة عن الدول الأخرى المتقدّمة والناشئة وذلك على مستوى الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، إلا أنها تعمل في الوقت الحالي على تعويض التأخير واللحاق بالركب بسرعة. وفي هذا الإطار، أشارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في تقرير صدر عام 2019 إلى أن الطاقة المتجددة سجّلت "تحسنًا لافتًا" في دول مجلس التعاون الخليجي، فقد تحوّلت من تقنيات متخصصة نادرًا ما يتم تطبيقها خارج إطار المشاريع التجريبية الصغيرة إلى تقنيات قيد التنفيذ قادرة على توليد طاقة جديدة بمقدار حوالى 7 جيجاوات.15 ونتيجة لذلك، عززت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية التنافسية من حيث تكلفة الطاقة الشمسية، فأصبحت مصادر الطاقة المتجددة محورًا مهمًا تركّز عليه الاستثمارات الإقليمية.
تستطيع تقنية التخمير الدقيق تحويل الطاقة المتجددة، والنيتروجين، والكربون، والأكسجين، والعضويات إلى بروتينات وبدائل غذائية أخرى. وفي هذا الإطار، يتمحور التحدي التقني بشكل كبير حول المفاعلات الحيوية، حيث تجري عملية تحويل الطاقة إلى غذاء. فالمفاعلات الحيوية تضمن بيئة موحّدة للتفاعل الكيميائي الذي يستهلك الطاقة بشكل كبير، لكنها في الوقت الحالي باهظة الثمن.16 وفي حال تمكّنت دول مجلس التعاون الخليجي من اختراق هذه التقنية وتخفيض تكاليفها، بإمكانها أن تصبح رائدة على المستوى العالمي في هذا المجال، لا بل من المنافسين الأقوياء في سوق البروتينات البديلة العالمية، والذي يقدّر بنك كريدي سويس أن تصل قيمته إلى 1.4 تريليون دولار أمريكي بحلول العام 2050. 17 أما ميزتها التنافسية في الوقت الحالي، فتعود لكونها منتجة للطاقة المتجددة المنخفضة التكلفة. وفي حال أصبحت دول منطقة الشرق الأوسط جهات رائدة عالميًا في هذا المجال، ستخفّض وارداتها الغذائية التي تلبي حاليًا 85% من الاحتياجات الغذائية المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي.
قد يصبح الهيدروجين الأخضر مصدر طاقة رئيسيًا ومتعدد الاستخدامات في عالم خالٍ من الكربون في المستقبل. ويتم تصنيع الهيدروجين الأخضر باستخدام الكهرباء النظيفة التي يجري توليدها من مصادر الطاقة المتجددة الفائضة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، بهدف تحليل المياه كهربائيًا. وتستخدم أجهزة التحليل الكهربائي تفاعلًا كهروكيميائيًا لفصل المياه وتقسيمها إلى هيدروجين وأكسجين. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العملية لا تترافق مع أي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكنها مكلفة حاليًا ويمكن تحسينها. وفي حال تم تصنيع كميات كبيرة من الهيدروجين، قد يساهم ذلك في إزالة الكربون من الصناعات التحويلية مثل الطيران، من خلال استخدام الهيدروجين للرحلات القصيرة، وتعزيز تصنيع المواد مثل الفولاذ الأخضر والأمونيا الخضراء.
تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمزايا مهمة ترتبط بإنتاج الهيدروجين الأخضر، فهي تمتلك الكثير من السواحل، وقادرة على الاستفادة من الطاقة الشمسية والمياه والمساحة بتكلفة منخفضة، فضلًا عن خبرتها الكبيرة في تطوير مشاريع الغاز المعقّدة.
ويُعتبر مشروع الهيدروجين الأخضر، الذي تتولى تنفيذه هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، بالتعاون مع إكسبو 2020 دبي وشركة سيمنس للطاقة، في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لإنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة الشمسية.18 وفي الوقت الحالي، تقوم المملكة العربية السعودية ببناء محطة للهيدروجين الأخضر بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي سيكون الأكبر في العالم، على أن يبدأ الإنتاج في العام 2026. 19
تؤدي المواد البلاستيكية دورًا متناميًا في النقاش العالمي حول الاستدامة. فالطلب على البلاستيك المعاد تدويره يتزايد، في ظل التزام أكثر من 500 مؤسسة تشكّل 20% من سوق العبوات البلاستيكية بالحدّ من استخدام البلاستيك الخام.20 ونتيجةً لهذا الارتفاع في الطلب، يعجز العرض عن تلبية الاحتياجات - في الوقت الحالي.
وفي هذا الإطار، بإمكان الجهات الفاعلة في دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من التباين في العرض والطلب للمضي قدمًا وتطوير ميزة المواد الأولية المزدوجة. ويعني ذلك بعبارة أخرى مواصلة استخدام المواد الأولية المناسبة لإنتاج البلاستيك الخام، وفي الوقت نفسه، تعزيز إمكانية الوصول إلى النفايات البلاستيكية العالية الجودة لإنتاج البلاستيك المعاد تدويره.21 وسوف يتعيّن على شركات المواد الكيميائية التي تعمل بالشراكة مع الحكومات تخصيص مبالغ كبيرة على مدى العقدين المقبلين للاستثمار في بناء بنية تحتية عالمية المستوى لإعادة التدوير باستخدام أحدث التقنيات، مع استكشاف الفرص لتعزيز إمكانية التنسيق والتفاعل مع البنية التحتية القائمة.
تقوم تقنية تحويل المخلفات إلى طاقة على استخدام النفايات غير الخطرة الموجودة في مكبات النفايات وإحراقها، ثم استعمال الدخان لإنتاج الكهرباء. ويتم تجميع الغازات وتصفيتها لتقليل الأثر البيئي. أما الرماد، فيخضع للمعالجة بهدف استرداد المعادن لإعادة تدويرها. ويتمثّل الأثر الإيجابي المترتّب على البيئة نتيجة لاستخدام هذه التقنية في تقليص كميات النفايات في المكبات، وبالتالي الحدّ من كمية غاز الميثان المنبعثة في الجوّ. وتجدر الإشارة إلى أن منطقة الشرق الأوسط تتمتع بمكانة تخوّلها أن تكون جهة رائدة عالميًا في هذه التقنية، إذ إن موارد الطاقة المتجددة الجيدة في المنطقة تتيح إنشاء محطات هجينة والاستفادة في الوقت نفسه من الطاقة الشمسية، ما يعني أن المدن الكبرى في المنطقة يمكن أن تضمن وفورات في الحجم على مستوى محطات تحويل النفايات إلى طاقة.
وفي هذا الإطار، افتتحت الشارقة أول محطة مماثلة في المنطقة في مايو 2022. 22 وسوف يساهم هذا المشروع في الحدّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار يصل إلى 450,000 طن سنويًا، علمًا أن المحطة ستنتج 30 ميجاوات من الكهرباء المنخفضة الكربون - وهي كمية تكفي لتزويد حوالي 28,000 منزل في الإمارات العربية المتحدة بالكهرباء - و45 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي كل عام.
كي تصبح دول الشرق الأوسط جهات فاعلة رئيسية في مجال التقنيات المناخية، يتعيّن عليها أن تستثمر في البحوث التي تجريها جهات أخرى من جهة، وتكون رائدة في مجال تطوير التقنيات محليًا من جهة أخرى، ومنها أجهزة التحليل الكهربائي، والمفاعلات الحيوية، وتقنية التقاط الهواء الفعالة من حيث التكلفة، وغيرها من التقنيات الواعدة التي يمكن أن تخفف من وطأة التغيّر المناخي. وأحد أبرز التحديات التي ستتم مواجهتها في هذا الإطار تحدي التوطين الذي يركّز على الجانب الاجتماعي في المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، وتحديدًا الجانب الاجتماعي للمساهمة في نمو فرص العمل والتنمية الاقتصادية. لذا، تعمل مجموعة من الدول والشركات في المنطقة على إعداد برامج من شأنها تعزيز المحتوى المحلي، من خلال قياس المقاييس المحلية بشكل أفضل ومنها الوظائف التي تم استحداثها، وتحسين المشتريات المحلية، وتدعيم المنظومة المحلية بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم. فقد بات المحتوى المحلي الآن في قلب أجندات حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، علمًا أن شركات النفط الوطنية هي التي تتولى في الوقت الراهن تطوير برامج مماثلة، ومن بينها برنامج تعزيز القيمة المضافة الإجمالية لقطاع التوريد في المملكة (اكتفاء) الخاص بشركة أرامكو السعودية، وبرامج أدنوك لتعزيز القيمة المحلية المضافة، وبرنامج توطين الخاص بقطر للطاقة، ومبادرة نساند الخاصة بسابك.23
في حين أن تمويل التقنيات المناخية في منطقة الشرق الأوسط يُعتبر جزءًا من المعادلة - الجزء السهل على الأرجح - يستوجب النجاح نهجًا شاملًا وموجّهًا نحو رسالة محددة ومدعومًا بالإجراءات السبعة الرئيسية التالية:
تؤكّد موجة الإعلانات المتعلقة بالاستثمارات الإقليمية والتي برزت قبل مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، وخلاله، وبعده جاهزية الجهات الفاعلة في دول مجلس التعاون الخليجي لتأدية دور في هذا الصدد. إلا أن المساعي المطلوبة في مجال التقنيات المناخية لإحداث أثر فعلي كبيرة للغاية، ما يستدعي تنسيق الجهود وربما توحيدها. ويعني ذلك تنسيق الجهود على مستوى صناديق الثروة السيادية، والبرامج الحكومية، والخطط الوطنية الرائدة - وإطلاق رسالة محددة للتقنيات المناخية بصورة أساسية. وتتجاوز عملية الربط بين الجهات حدود المنطقة، لتشمل إبرام شراكات أعمق مع الدول التي تتشارك الأهداف نفسها.
إن إنشاء صندوق تمويل مخصص للاستثمار في التقنيات المناخية يعني مستوى أعلى من التنسيق. فبإمكان هذا الصندوق حشد تمويل أكبر بكثير من التمويل النتاج عن الجهود الفردية المتباينة، وبالتالي إحداث فرق كبير على مستوى العالم. ويُفضّل أن يكون هذا الصندوق متعدد الأطراف ويضم حلفاء وأصدقاء يتشاركون الأولويات نفسها على مستوى المنطقة. ففي أبوظبي، على سبيل المثال، أنشأت منظمة جلوبال ميشن، وهي منظمة غير ربحية، صندوقًا بقيمة 17 مليار دولار أمريكي هدفه الدفع لإحراز تقدّم على مستوى أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة - وهو موضوع أوسع بكثير من مشاكل المناخ.24
من المهم إنشاء أسواق للابتكارات المحلية. فمن خلالها، بإمكان منتجي الوقود الاصطناعي المنخفض الكربون على سبيل المثال التواصل مع شركات الطيران أو شركات الشحن. كذلك، قد تساعد هذه الأسواق الشركات التي تتطلع إلى تحويل سلاسل قيمتها لتصبح أكثر مراعاة للبيئة على الاستفادة من عملية التواصل مع المبتكرين.
على سبيل المثال، قد تعمل الجهات المصنّعة للطائرات من دون طيار مع الصيدليات أو شركات الأدوية لتسليم الأغراض بما فيها اللقاحات وأدوية أخرى بطريقة سريعة ومنخفضة الانبعاثات وتجنّب طرق النقل التقليدية.
تساهم هذه الخطوة في تحفيز مجموعات البحث والابتكار المحلية والعالمية على حدّ سواء. فعلى سبيل المثال، من المتوقّع أن تؤدي مبادرة حديثة أطلقتها المملكة العربية السعودية إلى تحفيز الابتكار في مجالي الصحة والرفاهية، والطاقة والبيئة المستدامة، فضلًا عن إضافتها حوالى 16 مليار دولار أمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بحلول العام 2040. 25 وتجدر الإشارة إلى أن تحوّل بعض التقنيات المناخية لتصبح فعالة من حيث التكلفة قد يستغرق سنوات عدّة، ما يعني أن هذه التقنيات تتطلب تمويلًا راسخًا وطويل الأمد من دول مجلس التعاون الخليجي. وفي هذا الإطار، يمكن منح الأولوية للمعاهد الأكاديمية والبرامج التعليمية المرتبطة بالتقنيات المناخية، مثل الهندسة القائمة على الطبيعة واقتصاد الهيدروجين.
يمكن أن تستفيد دول مجلس التعاون الخليجي من خبراتها كجهات رائدة عالميًا في مجال النفط والغاز لإنتاج أنواع طاقة خضراء متطوّرة وتتطلب رؤوس أموال ضخمة، ومنها الطاقة الحرارية الأرضية والتقاط الهواء الكربوني وعزله. كذلك، يمكن أن تؤدي القدرات والمعارف التي تمتلكها المنطقة في مجال البتروكيماويات دورًا مهمًا في تطوير اقتصاد الهيدروجين وإنتاج الوقود الاصطناعي. ويمكن أن تشهد وحدات العمل أو الشركات التابعة العاملة في مجال إنتاج الأمونيا نموًا ملموسًا.
كي تتمكّن مبادرات التقنيات المناخية من النمو والازدهار، لا بدّ من توفّر منظومة متينة تقوم على الأنظمة والإجراءات التمكينية. فالعديد من التقنيات الجديدة، بما فيها التقاط الكربون وتخزينه، معقّدة وتترافق مع مخاطر جيولوجية وأنواع مخاطر أخرى محتملة.
وبالتالي، فإن إنشاء بيئات اختبار معزولة وتنظيمية حيث تتم تجربة النهج الجديدة واختبارها في سياق حذر إنما مشجّع من شأنه أن يساعد على تطوير هذه التقنيات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد عملية توفير بيانات أدقّ عن الاستثمارات المناخية، بما في ذلك متطلبات إعداد التقارير للشركات، على تتبع آلية تدفق الأموال ووجهتها، وبالتالي المساعدة على وضع أولويات واضحة.26
يُعتبر التغيّر المناخي مشكلة متوارثة عبر الأجيال، وفي هذا الإطار، تمتلك منطقة الشرق الأوسط، التي تتميّز بنسبة كبيرة من السكان الشباب، الإمكانيات اللازمة لتحفيز هذه الفئة على المشاركة والعمل، ما يقدّم هدفًا جديدًا ورؤية جديدة للمنطقة. وسوف يستدعي ذلك تركيزًا على التعليم للتأكد من إدراج علم المناخ والمواضيع المتفرّعة عنه في المنهج الدراسي الأساسي. يُذكر أن منتدى المناخ المخصص للشباب والأول من نوعه الذي انعقد في مؤتمر الأطراف السابع والعشرين يُعتبر خطوة أولى إيجابية في هذا الصدد.27
بعيدًا عن الأسئلة الوجودية التي يطرحها التغيّر المناخي، يجب على الحكومات، والشركات، والأفراد النظر في الفرص التي تتاح لهم في حال أدّوا دورًا رياديًا في مجال التقنيات الخضراء.
فإعادة توجيه الاقتصادات المحلية لتصبح أكثر مراعاة للبيئة واعتمادًا على التقنيات الخضراء، وتطوير القدرات الأساسية اللازمة لمساعدة العالم في معالجة تحديات التغيّر المناخي، مسألة لن تعود بمنافع اقتصادية على المنطقة فحسب بل ستضعها في مكانة المركز العالمي الجديد للتقنيات الخضراء. وفي حين أن المنافع التي قد يحقّقها الكوكب بأكمله في حال أدّت منطقة الشرق الأوسط دورًا رياديًا في هذا المجال لا تعدّ ولا تحصى ومع أن الاستثمار المطلوب كبير، إلا أن المخاطر مرتفعة للغاية.
فالتأخير المستمر لم يعد أمرًا مطروحًا.