في قلب رؤية المملكة الطموحة لعام 2030، يكمن التزام استراتيجي بعرض ما تزخر به المملكة من تراث ثقافي غني وابتكارات معمارية مبدعة أمام العالم أجمع. وإلى جانب سعيها لتعزيز السياحة، تعمل هذه الأجندة الطموحة أيضاً على حماية الإرث الثقافي للمملكة من خلال دعوة الزائرين إلى استكشاف الإبداعات الفريدة للمملكة. وتمثل السياحة المعمارية أداة قوية للتبادل الثقافي بما يسمح للسائحين بالتفاعل مع السرديات المعمارية الممتدة على مدار قرون من الزمان. فبدءاً من استكشاف المواقع التاريخية وصولاً إلى الروائع المعمارية الحديثة، يكتسب الزائرون تصوراً للجوانب المتعددة للتطور المعماري بالمملكة العربية السعودية. كما تتناول رؤية 2030 دمج التقنيات التفاعلية، ومنها تقنيات الميتافيرس والواقع الافتراضي والواقع المعزز، لرفع مستوى تجربة الزائرين إلى مستويات استثنائية في إطار السياحة المعمارية.
وتعكس السياحة الرقمية استراتيجية متطورة لدمج التراث الثقافي مع التقنية الحديثة لتسهيل إمكانية الوصول عبر الوسائل الافتراضية إلى المشاعر المقدسة والمعالم التاريخية والعجائب الطبيعية. وتبرز هذه الجهود التزام المملكة العربية السعودية تجاه الابتكار وكذلك تفانيها في تعزيز التقدير العالمي لكنوزها الثقافية والمعمارية.
تقدم تقنية الميتافيرس فضاءً افتراضياً مثيراً يمكن للمستخدمين من خلاله المشاركة في الاستكشاف والإبداع والتفاعل بشكل مباشر. ومن خلال تجاوز العوائق المادية والجغرافية، تسمح التقنيات المتقدمة، ومنها تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، للجمهور حول العالم باستكشاف العجائب المعمارية في المملكة العربية السعودية بمستويات غير مسبوقة من التفاعل. واستلهاماً من النجاح الكبير الذي حققته تجربة الميتافيرس في مواقع عالمية مثل كاتدرائية نوتردام الشهيرة في باريس، والتي جذبت أكثر من 60,000 زائر منذ إطلاقها في يناير 2022، تمتلك المملكة فرصة استثنائية لتكون في طليعة الوجهات السياحية الافتراضية الرائدة. من خلال تبني تقنية الميتافيرس، يمكن للمملكة أن تصبح وجهة سياحية مبتكرة تتيح للزوار من جميع أنحاء العالم استكشاف معالمها الثقافية والمعمارية من خلال تقنية الميتافيرس. ومع استمرار تطور تلك التقنية، ستجد المملكة أنها تمتلك المقومات والإمكانات الرقمية الفريدة التي تمكنها من تخليد تراثها المعماري الذي يشمل مجموعة من العجائب التاريخية القديمة، مثل قرية ذي عين الحجرية القديمة، والعجائب المعاصرة، مثل مركز إثراء. ويسمح هذا التكامل الرقمي للجمهور العالمي بالغوص في أعماق العمارة السعودية من خلال نماذج ثلاثية الأبعاد شاملة ورؤى هيكلية ومؤثرات صوتية تستأثر حواس المشاهدين. وتضع تجارب الجولات الافتراضية المنسقة، التي يقودها مجموعة من الخبراء، بين يدي مشاهديها مجموعة من الرؤى والأفكار الثمينة حول أساليب العمارة وتأثيراتها الثقافية وأهميتها التاريخية. وتثري هذه الجولات تجربة الاستكشاف، وتعزز من تقدير العالم للتراث المعماري السعودي. ،ومن خلال السرد القصصي الآسر والخواص التفاعلية الأخرى التي تتميز بها تقنية الميتافيرس، تفتح هذه المبادرات أبواباً جديدة للتبادل الثقافي والتثقيف، حيث يضع هذا المزج السلس بين التقنية والتراث المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول التي تتبنى الحفظ الرقمي لتراثها الثقافي، ويضمن الاحتفاء بتراثها المعماري الثري واستيعاب أجيال المستقبل لأفكاره ومضامينه.
يوفر دخول التقنية التفاعلية إلى مجال السياحة المعمارية ودمجها فيه مجموعة من الفرص الرائعة لكنه في الوقت نفسه يحمل مجموعة من التحديات الصعبة. فهناك مجموعة من العقبات التقنية لتؤخذ بعين الإعتبار، ومنها تحسين التقنيات المستخدمة مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز، ووضع معايير التجول المشترك، وضمان موثوقية البيانات ودقتها في الميتافيرس. كما أن هناك مجموعة من الاعتبارات الثقافية التي لا تقل أهمية عن العقبات التقنية، إذ يجب تصميم التجارب التفاعلية مع احترام الحساسيات الثقافية المحلية والمعتقدات الدينية وإرشادات الحفاظ على التراث وفهمها. من المهم تحقيق التوازن لتجنب الإساءة دون قصد للمجتمعات المحلية أو المساس بأصالة المواقع الثقافية. ولا يقتصر هذا التوازن على احترام الماضي وإنما يشمل أيضاً دمج هذه المواقع في المستقبل الرقمي بأسلوب يعلي من قيمتها واستيعابها دون المساس بسلامتها. كذلك هناك مشكلات إمكانية الوصول التي تبرز طبقة أخرى من الصعوبات، حيث يحتمل ألا تتمكن بعض شرائح الجمهور بسبب الفجوة الرقمية من الوصول إلى التقنيات والبنية التحتية اللازمة للمشاركة في هذه التجارب التفاعلية. ويمكن أن يحدث ذلك نظراً لمجموعة من العوامل، منها الفروق في مهارات استخدام تقنيات المعلومات والاتصال والعوائق الاقتصادية وضعف البنية التحتية. ومن المهم التغلب على هذا التحدي لضمان إمكانية وصول الجميع إلى مزايا السياحة المعمارية التفاعلية وتمتعهم بها، ما يؤدي إلى احتضان المزيد من الفئات وتمكينهم من تذوق التراث الثقافي العالمي. وللتغلب على هذه المشكلات ذات الجوانب المتعددة لابد من اتباع نهج تعاوني يتضمن الشراكات بين خبراء التقنية، والمتخصصين في التراث الثقافي، والجهات المعنية الأهلية، وواضعي السياسات، حيث يمكن لهؤلاء إذا تضافرت جهودهم وضع الحلول التي تستفيد من الابتكار التكنولوجي وتحافظ في الوقت نفسه على مراعاة القيم الثقافية.
علاوة على ما سبق، فإن التعاون أمر لابد منه في تطوير معايير مشتركة للتجول في منصات الميتافيرس المتعددة. ويمكن للأطراف المعنية، مثل مطوري المنصات، والمؤسسات السعودية المسؤولة عن وضع المقاييس والمعايير- هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، وهيئة فنون العمارة والتصميم، والهيئة السعودية للسياحة، وهيئة الحكومة الرقمية - وكذلك خبراء المجال، العمل سوياً لتحديد البروتوكولات المشتركة والواجهات والمبادئ التوجيهية للتجول في البيئات الافتراضية بشكل سلس. ومن خلال التوافق بشأن المعايير، يمكن للأطراف المعنية ضمان قابلية المنصات المختلفة للتشغيل البيني وتعزيز تجارب المستخدم وخفض التشظي داخل منظومة الميتافيرس.
وبإعطاء الأولوية إلى الابتكار والحساسيات الثقافية والقدرة على الوصول للتقنية، يمكن للمملكة العربية السعودية توفير مساحة أكثر شمولاً لاستيعاب فئات
أكثر في تجربة السياحة المعمارية والارتقاء بمستوى التبادل الثقافي والمشاركة العالمية وفي الوقت نفسه استغلال الفرص
الاقتصادية الجديدة في قطاع السياحة.
يمكن للمملكة العربية السعودية خلال تعاطيها مع هذه التحديات الاستلهام من المبادرات العالمية الناجحة التي أدخلت التقنيات التفاعلية واستخدمتها بشكل فعال في المشاريع الثقافية والسياحية. وتبرز مبادرة "ميتافيرس سيول" التي أطلقتها حكومة سيول الحضرية ومشروع "نسيج اسكتلندا العظيم" كاثنين من المبادرات المعيارية النموذجية.
بدأت مبادرة ميتافيرس سيول رحلتها الطموحة لنسخ معالم المدينة في بيئة افتراضية تبرز فرص السياحة الافتراضية. ويقدم محور المبادرة - المتمثل في خلق فضاء يستوعب الجميع حيث يمكن للمستخدمين التفاعل والاستكشاف دون ضرر- دروساً قيمة في بناء المجتمعات والخدمات الافتراضية التي يمكن للجمهور العالمي بشرائحه المتنوعة الوصول إليها والمشاركة فيها.
أما مشروع نسيج اسكتلندا العظيم فهو يبين قوة الرقمنة في مجال التراث الثقافي وقدرتها على نشر سرديات جذابةعناالثقافي وتظهر استعانة المشروع بتقنية الرموز غير القابلة للاستبدال لتجسيد الأحداث والفعاليات التاريخية في إطار تفاعلي مدى إمكانية استخدام التقنيات التفاعلية لجذب الجمهور وتفاعله مع السرديات الثقافية.
المثالان يؤكدان أهمية الاستفادة من التقنيات التفاعلية لخلق تجارب جذابة وشاملة للجميع تحترم الحساسيات الثقافية وفي الوقت نفسه تقدم قيمة تعليمية واستكشافية. ويقدم المثالان خارطة طريق للمملكة العربية السعودية في إطار سعيها لإحداث ثورة ي قطاع السياحة المعمارية مع إبراز قدرة التجارب التفاعلية على إثراء فهم التراث الثقافي والمعماري وتذوقه.
يمثل مزج التقنيات التفاعلية مع منظومة السياحة المعمارية بالمملكة قفزة ثورية إلى الأمام حيث تعد بإعادة تعريف تجارب الزائرين وفي الوقت نفسه حماية الإرث الثقافي الغني للبلاد. ومن خلال رؤية 2030، تتجه المملكة إلى الاستفادة من إمكانات الميتافيرس والواقع الافتراضي والواقع المعزز في إحداث التحول لتوفير مستويات غير مسبوقة من التفاعل.
ولضمان نجاح واستدامة هذه المبادرات، يكتسب الالتزام بالمعايير الدولية أهمية قصوى. فهناك عدد من معايير الأيزو المتعلقة بمنصات الميتافيرس، لا سيما في مجالات الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، والواقع المختلط. ومن الجدير بالذكر أن معايير لغة نمذجة الواقع الافتراضي والتنسيقات ثلاثية الأبعاد القابلة للتوسعة (إكس 3 دي) ومعيار تمثيل بيانات البيئة الاصطناعية ومواصفة التبادل تحدد أطر إنشاء ومحاكاة البيئات الافتراضية المعقدة ثلاثية الأبعاد. وتوفر هذه المعايير، بالإضافة إلى معايير معالجة المعلومات ومعالجة تحريك الشخصيات البشرية والمعرفة والمعلومات الدلالية في العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد، أساساً متيناً لبناء مساحات افتراضية تتميز بقابليتها للتشغيل البيني والتطوير وسهولة استخدامها.
وللشروع في رحلة إنشاء تجارب سياحية معمارية تفاعلية، ينبغي مراعاة العناصر التالية:
01. تحديد القيمة المقدمة للمستفيدين:
02. تصميم تجربة شاملة للمستخدم تستحوذ على جميع حواسه:
03. بناء تقنية وبنية تحتية تفاعلية:
04.التشارك والتفاعل مع مجتمع الثقافة و نشر المنجزات:
من خلال تجاوز العقبات المادية والقيود الجغرافية، توفر هذه التقنيات للزوار فرصة غير مسبوقة لاستكشاف المواقع القديمة مثل الحجر والعجائب الحديثة مثل مركز إثراء بطرق لم تكن متصورة قبل ذلك. وتعد هذه الرحلة بفتح أبعاد جديدة للاستكشاف الثقافي وربط العالم بالتراث الثري للمملكة العربية السعودية وإنجازاتها المعمارية بطريقة سلسة، مما يمهد سبلاً جديدة للتبادل الثقافي والتعليم كما يعلن بداية فصل جديد ومثير في السياحة الثقافية يجسد ريادة المملكة في التكيف مع العصر الرقمي للمشاركة العالمية.