تصور إطار عمل مشترك للتمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي

  • Publication
  • 2025-01-28

تمر دول مجلس التعاون الخليجي بمرحلة حاسمة ضمن مساعيها لتعزيز الهياكل الوطنية للتمويل المستدام. ويستكشف تقريرنا هذا، ضمن سلسلة «أهمية تبني التمويل المستدام»، فرص إرساء إطار عام متفق عليه للتمويل في المنطقة. ومع توجه العالم صوب الأنظمة المالية الشاملة والمرنة، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تقدم مثالاً قوياً من خلال العمل المتضافر واتباع نهج موحد نحو الاستدامة.

بينما نخطو قدماً تجاه مستقبل أكثر استدامة، تبرز حاجة متزايدة إلى تطوير النظم المالية، بحيث لا يقتصر هدفها على تحقيق عائدات اقتصادية فحسب بل على تحفيز العدالة الاجتماعية والمحافظة على البيئة. ويضطلع التمويل المستدام بدور محوري لجهود بلدان مجلس التعاون الخليجي لتحقيق أهداف المناخ والاستدامة مع تعزيز المرونة الاقتصادية.

يستعرض الجزء الأول من سلسلتنا للتمويل المستدام تطور التمويل المستدام ومشهده العالمي، مسلطاً الضوء على ظهوره، وأهمية القمم المناخية المؤثرة - مثل دورات مؤتمر الأطراف (COP) للطبيعة والتنوع البيولوجي، ولتغير المناخ - في توجيه العالم نحو الاستدامة. وتطرق التقرير الأخير لمفهوم التمويل المستدام، ودوره في تحقيق أهداف الاستدامة العالمية، والتقدم الذي أحرزته بلدان عدة، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، في تبني ممارسات التمويل المستدام.

يسلط تقريرنا الأخير التركيز على اقتراح إطار عام مشترك وموحد للتمويل المستدام، على أن يكون معدّاً خصيصاً لمنطقة مجلس التعاون الخليجي.

فيما رسم الجزء الأول الخطوط العريضة للعملية من خلال دراسة السياق العالمي والتقدم الذي أحرزته دول مجلس التعاون الخليجي في مجال التمويل المستدام، يتعمق الجزء الثاني من السلسلة بالتفاصيل، ويدرس وضع إطار عمل متكامل يعالج الاحتياجات الفريدة للمنطقة. وقد تم توجيه هذه الورقة البحثية لصناع السياسات، والمؤسسات المالية، وأصحاب المصلحة من المستثمرين في تعزيز التمويل المستدام في بلدان مجلس التعاون الخليجي، مع التأكيد على أهمية وجود إطار عمل موحد يمكنه بناء مشهد مالي مستدام أقوى في المنطقة.

تحدد الورقة البحثية المبادئ التوجيهية والمعايير المشتركة لممارسات التمويل المستدام في المنطقة، والتي تتمحور حول أربع ركائز أساسية؛ وهي أدوات التمويل المستدام، والتقدم التقني، والتوافق مع السياسات الدولية، و بناء القدرات. وتوضح هذه الركائز المحورية الاعتبارات الأساسية للوصول إلى نهج فعال لدمج ممارسات الاستدامة عبر الأنظمة المالية في دول مجلس التعاون الخليجي.

إطلاق العنان للإمكانات: تأسيس إطار مشترك للتمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي

رغم تطور الأجندة العالمية لتغير المناخ بشكل كبير، وسعي المجتمع الدولي المستمر لتحديد نهج موحد للتعامل مع تغير المناخ من خلال تبني اتفاقيات دولية رئيسية، لكن لم ينعكس هذا النهج الموحد بشكل كامل على المستوى الإقليمي في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث كان هناك تفاوت كبير في تقدم بلدان المنطقة نحو التعامل مع تغير المناخ.

لكن وعلى الرغم من غياب النهج الموحد رسمياً، توفر المصالح المشتركة في دول مجلس التعاون الخليجي فرصة لإطلاق العنان للإمكانات في مجال التمويل المستدام على أكمل وجه. إذ تمتلك المنطقة كل المقومات اللازمة لتغدو رائدة في توفير التمويل المستدام، وتصبح مثالاً يحتذى به للاقتصادات الناشئة الأخرى ببناء نظام مالي يحفز النمو المستدام والتنويع الاقتصادي.

وفي هذا السياق، يمكن أن يعزز تطبيق إطار مشترك للتمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي من النمو الاقتصادي، وتمكين الشركات، وإرساء قواعد راسخة للاستدامة، وتسهيل حلول التمويل المخصصة للعميل بما يتفق مع احتياجات التحول في المنطقة.

بالاستفادة من الاستنتاجات المستمدة من الجزء الأول، يحمل الإطار المشترك للتمويل المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي المقومات اللازمة لتمكين بلدان المجلس من تحقيق أولويات التمويل المستدام الموضحة في جدول «تقدم التمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي».1

في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، سبق أن ظهرت عدة محاولات لوضع أطر عمل للتمويل المستدام على مستوى الدول الفردية؛ وتتضمن الأمثلة على ذلك إطار عمل التمويل المستدام لدولة الإمارات العربية المتحدة 2021-2031، والذي يهدف إلى تعزيز الطلب والعرض على التمويل المستدام، وتوطيد منظومة الاستثمارات المناخية والخضراء من خلال تعاون متين بين أصحاب المصلحة. فيما يهدف الإطار العام للتمويل الأخضر في المملكة العربية السعودية، والتابع لصندوق الاستثمارات العامة، إلى ترويج المشاريع المستدامة والصديقة للبيئة. وتعد هذه المبادرات أساس إرساء إطار إقليمي مشترك.

إلى جانب ما ذُكر، فقد وضعت الجهود السابقة في مناطق أخرى أمثلة هامة يمكن أن تستعين دول مجلس التعاون الخليجي بها ضمن مساعيها. تم إنشاء أطر مشتركة للتمويل المستدام، مثل إطار عمل التمويل المستدام للاتحاد الأوروبي وتصنيف رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) للتمويل المستدام.

يتضمن إطار عمل التمويل المستدام للاتحاد الأوروبي مجموعة شاملة من التدابير، ويحتوي على توجيهات للإفصاحات المناخية للشركات. وبشكل مماثل، يهدف تصنيف رابطة دول جنوب شرق آسيا للتمويل المستدام إلى توفير نظام تصنيف مشترك للأنشطة الاقتصادية المستدامة في المنطقة، وذلك بهدف مساعدة المستثمرين على اتخاذ قرارات مستنيرة فيما يتعلق بالاستثمارات المستدامة. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، ركزت الجهود التعاونية مع دول أخرى على أخذ الأخطار المناخية بعين الاعتبار عند إدارة الأصول. ويعد تحالف صناديق الثروة السيادية للكوكب الواحد (OPSWF)2 أحد الأمثلة على ذلك، حيث أن أربعاً من الدول الأعضاء الست المؤسسة لهذا التحالف هي دول من مجلس التعاون.3


الحاجة إلى اعتماد إطار عمل مشترك للتمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي

سيوفر الإطار المشترك للتمويل المستدام مجموعة موحدة وشاملة من التوجيهات، والمعايير، والممارسات المصممة لإدارة، وتوجيه، ومواءمة مبادرات التمويل المستدام في جميع أنحاء المنطقة. ويتطلب تحقيق هذه الغاية تعاوناً بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المؤسسات المالية، والهيئات التنظيمية، وأصحاب المصلحة الآخرين في المنطقة. و ستكون المسؤولية المشتركة والمشاركة الفعالة أمرين أساسيين، حيث ستلعب الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي والكيانات ذات الصلة أدوارًا رئيسية في صياغة وتنفيذ والتعديل المستمر لإطار العمل المشترك للتمويل المستدام. 

سيتطلب الإشراف على عملية التطبيق وجود آلية شاملة قد تكون على هيئة لجنة وزارية، و/أو فريق عمل مخصص من خبراء الاستدامة، و/أو لجنة لوضع السياسات والتنظيمات من الدول الأعضاء. ستلعب هذه الآلية دوراً رئيسياً في مواءمة إطار العمل ليناسب احتياجات كل بلد، بما يشمل مراعاة الاختلافات في المنطقة لضمان كون الانتقال إلى نظام مالي مستدام أمراً عملياً وناجحاً.

باعتمادها لإطار مشترك للتمويل المستدام، ستتمكن منطقة دول مجلس التعاون الخليجي من معالجة التحديات المباشرة المتعلقة بالتنويع الاقتصادي والنمو المستدام، كما ستسرع التحول عبر القطاعات المالية في المنطقة. وسيترك ذلك أثراً إيجابياً واسعاً بعيد المدى على الرفاهية البيئية والمجتمعية. كما سيسهل هذا الإطار العام توسيع الاستثمارات اللازمة للحد من انبعاثات الكربون في منطقة مجلس التعاون الخليجي، والعمل على تحقيق هدف اتفاق باريس المتمثل في الوصول إلى مجموع انبعاثات صفري بحلول عام 2050.

لبلوغ هذا المسعى، يمكن أن تغطي الركائز الأربعة الأساسية التالية العناصر الرئيسية لتعزيز تقدّم منظومة التمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال إطار التمويل المستدام المشترك. وهذه الركائز هي:

يجب أن يأخذ الإطار المشترك للتمويل المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي بعين الاعتبار إقامة توازن دقيق بين الأدوات المالية التي تتعامل مع الأخطار الاجتماعية والاقتصادية، مع مراعاة تأثيرها على التحديات البيئية الكبرى. وقد جرى توظيف العديد من الأدوات المالية التي تأخذ بالاعتبار توازن الأخطار في أنحاء منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وتتضمن أمثلة ذلك التمويل المختلط، والذي نراه بوضوح في شراكة القطاعين العام والخاص الإماراتيين في مجمّع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية. وهو أكبر مجمع أحادي الموقع للطاقة الشمسية في العالم، حيث يمتلك استطاعة تصل إلى 5,000 ميجا واط.4 كما وجرت الاستفادة من التمويل المختلط في المملكة العربية السعودية بشراكات عدة بين القطاعين العام والخاص، وتجلى ذلك في محطة دومة الجندل لطاقة الرياح التي كلفت 500 مليون دولار أمريكي، والتي أشرفت على تطويرها شركة EDF Renewables الفرنسية وشركة مصدر للطاقة المتجددة في أبو ظبي، وبدأت عملياتها التشغيلية في عام 52022.

إضافة لما سبق، يجب الاهتمام بتعزيز وإنشاء منتجات القطاع المالي المخصصة كلياً لتعزيز ممارسات التمويل المستدام. ففي السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة زيادة في اعتماد السندات الخضراء والصكوك في عُمان، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية. كما يلعب القطاع المصرفي في المنطقة دوراً متنامياً بمساهمته في دفع التمويل المستدام من خلال التزامات التمويل الأخضر.

في دولة الإمارات العربية المتحدة، خصصت ستة مصارف كبرى - بنك أبوظبي الأول، وبنك أبوظبي التجاري، وبنك الإمارات دبي الوطني، وبنك دبي الإسلامي، وبنك المشرق، ومصرف أبوظبي الإسلامي - أكثر من 190 مليار درهم (51.8 مليار دولار أميركي) من التمويل الأخضر لمشاريع مختلفة في مجال الطاقة المتجددة، وتحويل النفايات إلى طاقة، والتكنولوجيا الخضراء.6 وفي قطر، يوفر مخطط تمويل الطاقة النظيفة الصديقة للبيئة تمويلاً بنسبة 85% من التكلفة للشركات التي تضيف حلولاً تكنولوجية أو عمليات صديقة للبيئة، و80% من التكلفة للشركات التي تنتج منتجات خضراء ذات تأثير بيئي إيجابي ومستدام.7

كما هو مبين في الجزء الأول من سلسلتنا عن التمويل المستدام، والتي تتناول فرص دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز منظومة التمويل المستدام، فقد شهدنا زيادة ملحوظة في القيمة الإجمالية للسندات والصكوك الخضراء والمستدامة الصادرة، فقد نمت بشكل هائل من 605 مليون دولار أمريكي فقط في عام 2021، إلى أكثر من 8.5 مليار دولار أمريكي في عام 82022.

تلقت سلطنة عُمان طلباً كبيراً على إصدارها الذي تضمن صكوكاً بقيمة 1.75 مليار دولار أمريكي في يونيو 92021، فيما استكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي إصداره الثاني للسندات الخضراء، والذي جمع 5.5 مليار دولار أمريكي في عام 102023. ويمكن أن تستفيد فرص صكوك المنطقة المستقبلية من الحوكمة الموجودة مسبقاً لأطر المراقبة والتحقق المطلوبة لضمان امتثال الصكوك للشريعة الإسلامية، حيث تقبل هذه الأطر التوسع لتشمل المعايير الخضراء على مستوى إقليمي. كما يمكن للأدوات المالية المخصصة لتعزيز ممارسات التمويل المستدام أن تعمل كآليات تحولية لدفع الاستثمارات والموارد نحو المساعي المسؤولة بيئياً واجتماعياً، مما يعزز فعالية الإطار في دفع النتائج المستدامة.

بهدف تمكين النشر الفعال لأدوات التمويل المستدام وتلبية الاحتياجات الاستثمارية للمنطقة، يمكن أن يلعب إطار العمل المشترك دوراً رئيسياً في توجيه صناع السياسات في دول مجلس التعاون الخليجي نحو الأدوات المالية المتاحة والحوافز العامة التي تشمل آليات التحوط والتمويل المختلط. كما يمكن أن يتيح هذا الإطار للبورصات لعب دور حاسم من خلال توفير قدرات إضافية لمشاركي السوق في القطاعات الخضراء الحالية. ويُسهّل كذلك وضع إرشادات صارمة للمنتجات المالية الجديدة والناشئة (مثل أرصدة الكربون) لتنمية سوق التمويل الأخضر بما يتماشى مع الإطار العام. وقد يسمح توحيد المعايير، وأطر العمل، والتزامات إعداد التقارير ضمن الإطار بتمكين المستثمرين من تمييز محافظهم وتأكيد التزامهم بالاستدامة.

سعياً للاستفادة من التمويل للتحقيق مستقبل مستدام، يتعين على الإطار المشترك للتمويل المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي أن يتبنى أدوات مالية مبتكرة - بداية من السندات الخضراء وحتى التمويل المختلط - لحشد الاستثمارات التي توازن بين المخاطر الاقتصادية.

تلعب حلول التقنية المالية المرتبطة بالاستدامة، مثل المنصات المصرفية الرقمية الخضراء، وتقنية البلوك تشين، والذكاء الاصطناعي و«البيانات الضخمة» دوراً حاسماً في تعزيز الشفافية والكفاءة داخل الأنظمة المالية. ويمكن للمستثمرين والشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم الاستفادة من هذه التقنيات للوصول إلى أدوات التمويل المستدام الرقمية، والتي تسهل الاستثمار وتحسن من فهم تأثير منتجات التمويل المستدام.

بدأت التقنيات المبتكرة بالفعل بالانتشار في المنطقة، حيث يستخدم القطاع المالي الأدوات الرقمية للارتقاء بالتمويل المستدام. فعلى سبيل المثال، أطلق بنك المشرق منصة رائدة للصيرفة المناخية بالشراكة مع كل من شركتَي Visa و11Ecolytiq، وتعد هذه المنصة الأولى من نوعها في دولة الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إذ تتيح المنصة للعملاء تتبع بصمتهم الكربونية واتخاذ قرارات مالية أكثر استدامة.

تحظى تقنية البلوك تشين بدور بارز أيضاً، ويظهر ذلك بوضوح بالنظر إلى قانون الأصول الرقمية الرائد الذي أصدره مركز دبي المالي العالمي (DIFC)، والذي يوفر شفافية قانونية لتنظيم الأصول الرقمية مثل العملات المشفرة، والرموز غير القابلة للاستبدال، ورموز الأمان. إذ يهدف هذا الإطار التنظيمي إلى تعزيز ثقة المستثمرين وتشجيع الابتكار. ويشكل نظام قانون الضمان في مركز دبي المالي العالمي تكملة لجهود هذه المبادرة من خلال تمكين الحماية القانونية للعمليات المكفولة، وضمان الشفافية والمسؤولية ضمن المشهد المتطور للأسواق المالية.12

يمكن لاعتماد التقنيات منخفضة البصمة الكربونية مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وإنتاج الهيدروجين، والشبكات الذكية والاستثمار فيها أن يسهم في تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية العالمية، وتعزيز أمن الطاقة والتنوع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي.

على سبيل المثال، انطلقت العمليات التشغيلية لمحطة دومة الجندل لطاقة الرياح في العام 2022، حيث تعد المحطة الأولى والأكبر من نوعها في المملكة العربية السعودية، وقد كلفت 500 مليون دولار أمريكي، وتحتوي على 99 توربينة وبقدرة إجمالية تبلغ 400 ميجا واط.13 ونظراً لقدرة المحطة على توفير الكهرباء لنحو 70 ألف منزل، فهي تدعم جهود المملكة الرامية إلى تقليل الاعتماد على النفط وانبعاثات الكربون، مما يمثل خطوة مهمة نحو تنويع مزيج الطاقة وتعزيز الاستدامة. 

لقد أكدت نتائج مؤتمر الأطراف (COP28) في الإمارات العربية المتحدة على الحاجة الملحة للاستثمار في التقنيات منخفضة البصمة الكربونية لمكافحة تغير المناخ. ودعا اتفاق الإمارات14 المنبثق عن COP28 إلى مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة العالمية ثلاث مرات، ومضاعفة متوسط المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة الطاقة بحلول العام 2030. كما تضمنت النتائج الرئيسية الأخرى التركيز على ضرورة تسريع اعتماد التقنيات صفرية ومنخفضة الانبعاثات، بما في ذلك الطاقة المتجددة، والطاقة النووية، واستخدام وتخزين الكربون المحتجز، وإنتاج الهيدروجين محدود الانبعاثات.15

ينبغي على الإطار المشترك للتمويل المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي تطبيق نهج متعدد الأوجه لتسريع الابتكار التقني والنهوض بالنمو المستدام في المنطقة. ويتضمن ذلك:

  • تقديم حوافز مالية لتقليل عقبات التكلفة الأولية لتبني التقنيات الجديدة.
  • تطوير بيئات تنظيمية تجريبية لتوفير بيئة مراقبة تسمح لشركات التقنية المالية باختبار الحلول المبتكرة وتحسينها قبل نشرها على نطاق أوسع. 
  • تحسين التعاون بين المؤسسات المالية، وشركات التقنية، والهيئات الحكومية من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
  • دعم مبادرات البحث والتطوير التي تركز على تطوير تقنيات جديدة تدعم التمويل المستدام، مما يؤدي إلى اكتشاف حلول أكثر كفاءة. 

ستعمل هذه الاستراتيجية على تعزيز اعتماد التقنيات المستدامة ومنخفضة البصمة الكربونية، ودفع الابتكار، ومواءمة الممارسات المالية مع الأهداف البيئية، وبالمجمل، ستساهم في إنشاء نظام مالي أكثر مرونة واستدامة في المنطقة. ويمكن للإطار المشترك للتمويل المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي أن يتقلّد دوراً حاسماً في رعاية التمويل المستدام ودفع النمو على المدى الطويل بخلق بيئة داعمة للتقدم التقني.16

من شأن احتضان منطقة مجلس التعاون الخليجي للابتكار التقني أن يدفع إطار العمل نحو العصر الرقمي، مما يخوّل المستثمرين وأصحاب المصلحة من اللاستفادة من حلول التقنية المالية ودفع عجلة الاستثمار في التقنيات منخفضة الأثر الكربوني للارتقاء بالتمويل المستدام.

يجب أن تراعي عملية دمج ممارسات الاستدامة ضمن النظم المالية في دول مجلس التعاون المعايير الدولية للاستدامة وكذلك الأمثلة حول أفضل الممارسات، مثل معيار السندات الخضراء للاتحاد الأوروبي.17 وفي هذا السياق، يمكن للانخراط المتزايد لدول مجلس التعاون الخليجي في المنتديات السياسية الدولية التي تتناول التمويل المستدام أن يسمح للمنطقة بالتأثير على السياسة الدولية. 

تعتبر هذه الجهود أساس تحقيق المصداقية العالمية، وتكامل السوق، والاتساق التنظيمي، وهو ما يفتح المجال أمام وصول أوسع إلى رأس المال العالمي. كما ستساهم هذه الجهود في دعم جهود منطقة مجلس التعاون الخليجي لتحقيق أهداف اتفاق باريس وأهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويمكن أن تتضمن جهود زيادة التعاون الدولي التوافق فيما يتعلق بأولويات التمويل المستدام العالمية، ويتضمن ذلك معايير الإفصاح، وبيانات وتقييمات الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، والتصنيفات، وخطط الانبعاثات الصفرية، وخطط التحول. 

لطالما كان هناك جهود لتحقيق التوافق مع بعض المعايير الدولية المتعلقة بالتمويل المستدام في مجلس التعاون الخليجي، وأحد أمثلة ذلك هو إطار عمل التمويل المستدام لدولة الإمارات 2021-2031، والذي يوصي بوضع قواعد للتقارير والإفصاحات ذات الصلة بالمناخ والممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وذلك بما يتماشى مع المبادرات العالمية، مثل فريق العمل المعني بالإفصاحات المالية ذات الصلة بالمناخ (TCFD)18. لكن تختلف منطقة مجلس التعاون الخليجي عن أجزاء عدة من العالم بكون إعداد تقارير TCFD غير إلزامي فيها، حيث تنشر الشركات في المنطقة الإفصاحات المتعلقة بالمناخ وفقاً لما ينص عليه الإطار العام لـ TCFD بشكل طوعي. 

في قطر، تعهد عدة مؤسسات، بينها جهاز قطر للاستثمار، بدعم توصيات 19TCFD. فيما اتخذت بورصة البحرين خطوات عدة للانسجام مع السياسة الدولية، بما في ذلك الشروع بالتوقيع الطوعي على مبادرة الأمم المتحدة للبورصات المستدامة ومبادئ الأمم المتحدة لتمكين المرأة، وذلك لإثبات التزامها الطوعي بالترويج لأسواق رأس المال المستدامة والشفافة.20

تعد ركيزة التوافق الدولي في إطار العمل عنصراً جوهرياً لتحقيق فهم جليّ للمبادرات العالمية عبر الأسواق، والمنظمات، والحكومات في سبيل رعاية نموذج فعال. ويعني حضور دول مجلس التعاون الخليجي في مجموعة العشرين وغيرها من المنتديات، ووجود الإمارات العربية المتحدة (والمملكة العربية السعودية ربما) في مجموعة دول بريكس تمكين صناع السياسات في المنطقة من المساهمة في مباحثات السياسات العالمية بشأن التمويل المستدام، والاشتراك في تبادل أفضل الممارسات، واستخلاص الخبرات من البلدان المشاركة. وسيكون ذلك جزءاً أساسياً من تهيئة بيئة مواتية لتعزيز التبني الإقليمي لأفضل الممارسات في مضمار التمويل المستدام العالمي. كما سيضمن ذلك الحضور تماشي منطقة دول مجلس التعاون الخليجي مع معايير السياسات الدولية المتعلقة بالتمويل المستدام، بالإضافة إلى تأثيرها على صياغة معايير السياسات الدولية، مما يعزز من مكانتها كلاعب رئيسي في المجال.

يشكل التوافق مع المعايير الدولية مفتاح المصداقية، والوصول إلى الأسواق، والتقدم نحو تحقيق أهداف المناخ العالمية في دول مجلس التعاون الخليجي.

إن بناء القدرات أمر بالغ الأهمية لمنظومة التمويل المستدام، فهو عامل حيوي لضمان قدرة هذه المنظومات على الاستجابة للتغيرات المستمرة لأطر التمويل المستدام، فضلاً عن التغيرات في السياسات والتنظيم. وبالتالي، يشكل بناء القدرات جانباً هاماً لإطار العمل هذا. فقد احتوت دولة الإمارات العربية المتحدة مبادرات عديدة لبناء قدرات التمويل المستدام. إذ تتيح أكاديمية الحوكمة البيئية والاجتماعية في بنك HSBC الشرق الأوسط ورشات تغطي مجموعة واسعة من مواضيع الاستدامة، والمبادرات، والممارسات، ويقدم هذه الورشات اقتصاديون، وخبراء، وقادة في الصناعة. وتقدم أكاديمية سوق أبوظبي العالمي (ADGM) البرنامج التنفيذي في الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات،21 فيما أصدر سوق دبي المالي دليلاً لإعداد التقارير حول الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.22 كما سعت بورصة البحرين إلى بناء القدرات عندما أصدرت عام 2020 دليلاً إرشادياً للإبلاغ الطوعي بشأن الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات للشركات المدرجة.23

وعلى نحو مماثل، أصدرت بورصة مسقط في سلطنة عُمان في سبتمبر 2023 إرشادات للشركات المدرجة للإبلاغ عن أدائها في الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات على المنصة الإلكترونية للبورصة العُمانية.24

تمتلك هذه الجهود أثراً هائلاً في توسيع الفرص المتاحة للمواطنين، والمؤسسات المالية، والشركات من خلال تزويدهم بالمهارات اللازمة لتشكيل معالم التمويل المستدام والمساهمة فيه. ومن الأهمية بمكان أن ندرك الإمكانات التحويلية للأدوات الرقمية، إذ يمكن أن تكون عامل دعم لتحسين القدرات الإحصائية مما يسهل إعداد التقارير المتكاملة وإنشاء مساحة شاملة لبيانات الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

كذلك، يفيد استحداث إطار العمل بتطوير العلاقات القائمة مع المنظمات الدولية في المنطقة لتسخير جهود بناء القدرات والمساعدة الفنية. فعلى سبيل المثال، تلقّت كل من المملكة العربية السعودية25، وقطر26، والكويت27 مساعدة فنية من صندوق البيئة العالمي لدعم قدرتها على تطوير اتصالاتها الوطنية وتقاريرها الصادرة كل عامين إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، وذلك بهدف الامتثال لمتطلبات إعداد التقارير، مع الاستجابة لأهداف التنمية الوطنية.

لتحقيق التنشئة الفعالة لبيئة مواتية لبناء القدرات في منطقة مجلس التعاون الخليجي، يجب أن يولي إطار العمل النظر بمجالين رئيسيين.

  • أولاً، يجب أن يدعم الإطار التدابير الرامية إلى حشد المستثمرين الأفراد، مثل تقديم إرشادات تفصيلية للمستشارين الماليين وتعزيز الإلمام بالشؤون المالية في أوساط المواطنين والموظفين. 
  • ثانياً، يجب أن يرسخ الإطار التبادل المعرفي وأن ييسر تبادل أفضل الممارسات بين بلدان مجلس التعاون الخليجي. وسيتطلب ذلك الاستفادة من منصات التنسيق القائمة في مجلس التعاون الخليجي، والتوافق مع مجموعة أوسع من أصحاب المصالح محلياً، وذلك بهدف استعراض الإنجاز واستنباط رؤى قابلة للتنفيذ لتعزيز الأهداف المشتركة للتمويل المستدام.

باعتماد هذا النهج، يمكن للإطار العام تمكين الأفراد والمؤسسات من المشاركة الفعالة ودعم مبادرات التمويل المستدام، مما يرسي مشهداً مالياً أكثر شمولاً واستنارة في المنطقة.

من الممكن أن يساهم إطار العمل المشترك للتمويل المستدام في دول مجلس التعاون أن يحفز ازدهار المعرفة والابتكار الرقمي. ومن خلال تثقيف المنطقة وتمكينها،، يمكن أن يعزز الإطار الشمولية والابتكار.


إطار العمل المشترك للتمويل المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي: فرص النمو

يوفر الإطار المشترك للتمويل المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي فرصاً معتبرة للنمو في مجال التمويل المستدام داخل المنطقة، وتتضمن هذه الفرص: 

01

يمكن للإطار المشترك للتمويل المستدام جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر عبر تنويع خيارات الاستثمار وتوفير مجموعة أوسع من الأدوات المالية المصممة خصيصاً لتلائم تفضيلات المستثمرين ورغباتهم في المخاطرة. كما سيعمل الإطار العام للتمويل المستدام على تعزيز تدفقات رأس المال المستدامة، داعماً التقدم المضطرد الذي تحرزه المنطقة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص الهدف 17 (الأهداف 17.1 -17.5).

02

كذلك، يروج الإطار المشترك للتمويل المستدام تكامل النظام المالي العالمي وإقامة شراكات التمويل المستدام. ويسمح ذلك لمجلس التعاون الخليجي بتنمية الاستثمارات العابرة للحدود ضمن أجندة التمويل المستدام، فضلاً عن قدرته على إتاحة المجال أمام المنطقة للاستفادة من تجارب البلدان الأخرى في الارتقاء بأجندة التمويل المستدام.

03

كما سيدفع الإطار المشترك للتمويل المستدام تكامل التقنيات المتقدمة لتعزيز الكفاءة والشفافية في القطاع المالي، والمساهمة في تحقيق الطموحات العالمية للانبعاثات الصفرية، وتعزيز أمن الطاقة، فضلاً عن التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي.

04

سيوفر الإطار المشترك للتمويل المستدام آلية لاتخاذ القرارات المدروسة مع انتقال دول مجلس التعاون الخليجي نحو اقتصاد أكثر استدامة، وشمولية، وقدرة على التكيف. كما سيدعو إلى تطوير الخبرات المحلية في مجال التمويل المستدام بين المتخصصين الماليين، والهيئات التنظيمية وصناع السياسات، ويسرع بذلك تبني دول مجلس التعاون الخليجي لأجندة التمويل المستدام. حيث يتضمن بناء القدرات تحسين الخبرة المالية، وتطوير أطر وسياسات تنظيمية قوية، وتحسين فهم المخاطر المناخية والاجتماعية. وسيرعى الإطار الابتكار من خلال تشجيع المؤسسات المالية على تقديم منتجات مالية جديدة مصممة خصيصاً لدول مجلس التعاون الخليجي وتدعم أجندة الاستدامة لتلك الدول، بالإضافة إلى تثقيف الشركات حول فوائد الاستثمارات المستدامة، مما يقود إلى زيادة في الطلب على منتجات وخدمات التمويل المستدام.


[1] للاطلاع على حالة التمويل المستدام الآن في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، انظر إلى الجدول 1 «تقدم التمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي»، الصفحة 8 من تقرير بي دبليو سي

[2] OPSWF هو تحالف لمجموعة من صناديق الثروة السيادية الملتزمة بجعل الفرص المالية المتعلقة بالنمو الأخضر والأخطار المناخية جزءاً من عملية إدارة أصولها. وقد تم إطلاقه بمشاركة دول الإمارات العربية المتحدة، والكويت، ونيوزيلندا، والمملكة العربية السعودية، ودولة قطر. ويضم حالياً 46 عضواً (18 صندوق ثروة سيادية، و18 شركة إدارة للأصول، و10 شركات أسهم خاصة واستثمار)، يتولون معاً إدارة أو حيازة أصول تزيد قيمتها على 37 تريليون دولار أمريكي. الإطار العام للمارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات هو الناتج الرئيسي لتحالف OPSWF، ويجري تتبع تطبيقه في تقارير سنوية تسجّل الإجراءات المحتملة لأعضاء تحالف OPSWF

[3] صندوق الثروة السيادية للكوكب الواحد

[4] ديوا

[5] محطة دومة الجندل لطاقة الرياح - NS Energy

[6] وام

[7] منتدى الخليج الدولي

[8] بي دبليو سي

[9] رويترز

[10] رويترز

[11] بنك المشرق، وVisa، وEcolytiq يطلقون منصة صيرفة مناخية

[12] مركز دبي المالي العالمي يعلن عن إصدار قانون جديد للأصول الرقمية وقانون جديد للضمان وتعديلات على بعض التشريعات القائمة

[13] محطة دومة الجندل لطاقة الرياح

[14] اتفاق الإمارات

[15] للمرة الأولى في التاريخ: مؤتمر المناخ COP28 يدعو إلى تعجيل استخدام الطاقة النووية في وثيقته الختامية

[16] فرص دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز منظومة التمويل المستدام

[17] European Parliament

[18] وزارة التغير المناخي والبيئة - الامارات العربية المتحدة

[19] جهاز قطر للاستثمار

[20] بورصة البحرين

[21] أكاديمية سوق أبوظبي العالمي

[22] باير، ج. وبايومي، م. (2022). تمويل تحول أخضر في الشرق الأوسط كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، دبي، الإمارات العربية المتحدة، مارس 2022

[23] بورصة البحرين

[24] Muscat Daily

[25] صندوق البيئة العالمي

[26] صندوق البيئة العالمي

[27] صندوق البيئة العالمي

تواصل معنا

Philipp Lemmerz

ME Leader, Economic Competitiveness, PwC Middle East

+971 54 793 4259

Email

Badi Ubeidat

Director - Government and Public Sector Consulting, PwC Middle East

Email

Contact us

Bassam Hajhamad

Bassam Hajhamad

Qatar Country Senior Partner, PwC Middle East

Ahmed AlKiswani

Ahmed AlKiswani

Partner, Regional Financial Services Leader, PwC Middle East

Tel: +97450098446

Follow us