تصور إطار عمل مشترك للتمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي

  • Publication
  • 2025-01-28

تمر دول مجلس التعاون الخليجي بمرحلة حاسمة ضمن مساعيها لتعزيز الهياكل الوطنية للتمويل المستدام. ويستكشف تقريرنا هذا، ضمن سلسلة «أهمية تبني التمويل المستدام»، فرص إرساء إطار عام متفق عليه للتمويل في المنطقة. ومع توجه العالم صوب الأنظمة المالية الشاملة والمرنة، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تقدم مثالاً قوياً من خلال العمل المتضافر واتباع نهج موحد نحو الاستدامة.

بينما نخطو قدماً تجاه مستقبل أكثر استدامة، تبرز حاجة متزايدة إلى تطوير النظم المالية، بحيث لا يقتصر هدفها على تحقيق عائدات اقتصادية فحسب بل على تحفيز العدالة الاجتماعية والمحافظة على البيئة. ويضطلع التمويل المستدام بدور محوري لجهود بلدان مجلس التعاون الخليجي لتحقيق أهداف المناخ والاستدامة مع تعزيز المرونة الاقتصادية.

يستعرض الجزء الأول من سلسلتنا للتمويل المستدام تطور التمويل المستدام ومشهده العالمي، مسلطاً الضوء على ظهوره، وأهمية القمم المناخية المؤثرة - مثل دورات مؤتمر الأطراف (COP) للطبيعة والتنوع البيولوجي، ولتغير المناخ - في توجيه العالم نحو الاستدامة. وتطرق التقرير الأخير لمفهوم التمويل المستدام، ودوره في تحقيق أهداف الاستدامة العالمية، والتقدم الذي أحرزته بلدان عدة، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، في تبني ممارسات التمويل المستدام.

يسلط تقريرنا الأخير التركيز على اقتراح إطار عام مشترك وموحد للتمويل المستدام، على أن يكون معدّاً خصيصاً لمنطقة مجلس التعاون الخليجي.

فيما رسم الجزء الأول الخطوط العريضة للعملية من خلال دراسة السياق العالمي والتقدم الذي أحرزته دول مجلس التعاون الخليجي في مجال التمويل المستدام، يتعمق الجزء الثاني من السلسلة بالتفاصيل، ويدرس وضع إطار عمل متكامل يعالج الاحتياجات الفريدة للمنطقة. وقد تم توجيه هذه الورقة البحثية لصناع السياسات، والمؤسسات المالية، وأصحاب المصلحة من المستثمرين في تعزيز التمويل المستدام في بلدان مجلس التعاون الخليجي، مع التأكيد على أهمية وجود إطار عمل موحد يمكنه بناء مشهد مالي مستدام أقوى في المنطقة.

تحدد الورقة البحثية المبادئ التوجيهية والمعايير المشتركة لممارسات التمويل المستدام في المنطقة، والتي تتمحور حول أربع ركائز أساسية؛ وهي أدوات التمويل المستدام، والتقدم التقني، والتوافق مع السياسات الدولية، و بناء القدرات. وتوضح هذه الركائز المحورية الاعتبارات الأساسية للوصول إلى نهج فعال لدمج ممارسات الاستدامة عبر الأنظمة المالية في دول مجلس التعاون الخليجي.

إطلاق العنان للإمكانات: تأسيس إطار مشترك للتمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي

رغم تطور الأجندة العالمية لتغير المناخ بشكل كبير، وسعي المجتمع الدولي المستمر لتحديد نهج موحد للتعامل مع تغير المناخ من خلال تبني اتفاقيات دولية رئيسية، لكن لم ينعكس هذا النهج الموحد بشكل كامل على المستوى الإقليمي في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث كان هناك تفاوت كبير في تقدم بلدان المنطقة نحو التعامل مع تغير المناخ.

لكن وعلى الرغم من غياب النهج الموحد رسمياً، توفر المصالح المشتركة في دول مجلس التعاون الخليجي فرصة لإطلاق العنان للإمكانات في مجال التمويل المستدام على أكمل وجه. إذ تمتلك المنطقة كل المقومات اللازمة لتغدو رائدة في توفير التمويل المستدام، وتصبح مثالاً يحتذى به للاقتصادات الناشئة الأخرى ببناء نظام مالي يحفز النمو المستدام والتنويع الاقتصادي.

وفي هذا السياق، يمكن أن يعزز تطبيق إطار مشترك للتمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي من النمو الاقتصادي، وتمكين الشركات، وإرساء قواعد راسخة للاستدامة، وتسهيل حلول التمويل المخصصة للعميل بما يتفق مع احتياجات التحول في المنطقة.

بالاستفادة من الاستنتاجات المستمدة من الجزء الأول، يحمل الإطار المشترك للتمويل المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي المقومات اللازمة لتمكين بلدان المجلس من تحقيق أولويات التمويل المستدام الموضحة في جدول «تقدم التمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي».1

في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، سبق أن ظهرت عدة محاولات لوضع أطر عمل للتمويل المستدام على مستوى الدول الفردية؛ وتتضمن الأمثلة على ذلك إطار عمل التمويل المستدام لدولة الإمارات العربية المتحدة 2021-2031، والذي يهدف إلى تعزيز الطلب والعرض على التمويل المستدام، وتوطيد منظومة الاستثمارات المناخية والخضراء من خلال تعاون متين بين أصحاب المصلحة. فيما يهدف الإطار العام للتمويل الأخضر في المملكة العربية السعودية، والتابع لصندوق الاستثمارات العامة، إلى ترويج المشاريع المستدامة والصديقة للبيئة. وتعد هذه المبادرات أساس إرساء إطار إقليمي مشترك.

إلى جانب ما ذُكر، فقد وضعت الجهود السابقة في مناطق أخرى أمثلة هامة يمكن أن تستعين دول مجلس التعاون الخليجي بها ضمن مساعيها. تم إنشاء أطر مشتركة للتمويل المستدام، مثل إطار عمل التمويل المستدام للاتحاد الأوروبي وتصنيف رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) للتمويل المستدام.

يتضمن إطار عمل التمويل المستدام للاتحاد الأوروبي مجموعة شاملة من التدابير، ويحتوي على توجيهات للإفصاحات المناخية للشركات. وبشكل مماثل، يهدف تصنيف رابطة دول جنوب شرق آسيا للتمويل المستدام إلى توفير نظام تصنيف مشترك للأنشطة الاقتصادية المستدامة في المنطقة، وذلك بهدف مساعدة المستثمرين على اتخاذ قرارات مستنيرة فيما يتعلق بالاستثمارات المستدامة. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، ركزت الجهود التعاونية مع دول أخرى على أخذ الأخطار المناخية بعين الاعتبار عند إدارة الأصول. ويعد تحالف صناديق الثروة السيادية للكوكب الواحد (OPSWF)2 أحد الأمثلة على ذلك، حيث أن أربعاً من الدول الأعضاء الست المؤسسة لهذا التحالف هي دول من مجلس التعاون.3


الحاجة إلى اعتماد إطار عمل مشترك للتمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي

سيوفر الإطار المشترك للتمويل المستدام مجموعة موحدة وشاملة من التوجيهات، والمعايير، والممارسات المصممة لإدارة، وتوجيه، ومواءمة مبادرات التمويل المستدام في جميع أنحاء المنطقة. ويتطلب تحقيق هذه الغاية تعاوناً بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المؤسسات المالية، والهيئات التنظيمية، وأصحاب المصلحة الآخرين في المنطقة. و ستكون المسؤولية المشتركة والمشاركة الفعالة أمرين أساسيين، حيث ستلعب الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي والكيانات ذات الصلة أدوارًا رئيسية في صياغة وتنفيذ والتعديل المستمر لإطار العمل المشترك للتمويل المستدام. 

سيتطلب الإشراف على عملية التطبيق وجود آلية شاملة قد تكون على هيئة لجنة وزارية، و/أو فريق عمل مخصص من خبراء الاستدامة، و/أو لجنة لوضع السياسات والتنظيمات من الدول الأعضاء. ستلعب هذه الآلية دوراً رئيسياً في مواءمة إطار العمل ليناسب احتياجات كل بلد، بما يشمل مراعاة الاختلافات في المنطقة لضمان كون الانتقال إلى نظام مالي مستدام أمراً عملياً وناجحاً.

باعتمادها لإطار مشترك للتمويل المستدام، ستتمكن منطقة دول مجلس التعاون الخليجي من معالجة التحديات المباشرة المتعلقة بالتنويع الاقتصادي والنمو المستدام، كما ستسرع التحول عبر القطاعات المالية في المنطقة. وسيترك ذلك أثراً إيجابياً واسعاً بعيد المدى على الرفاهية البيئية والمجتمعية. كما سيسهل هذا الإطار العام توسيع الاستثمارات اللازمة للحد من انبعاثات الكربون في منطقة مجلس التعاون الخليجي، والعمل على تحقيق هدف اتفاق باريس المتمثل في الوصول إلى مجموع انبعاثات صفري بحلول عام 2050.

لبلوغ هذا المسعى، يمكن أن تغطي الركائز الأربعة الأساسية التالية العناصر الرئيسية لتعزيز تقدّم منظومة التمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال إطار التمويل المستدام المشترك. وهذه الركائز هي:


إطار العمل المشترك للتمويل المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي: فرص النمو

يوفر الإطار المشترك للتمويل المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي فرصاً معتبرة للنمو في مجال التمويل المستدام داخل المنطقة، وتتضمن هذه الفرص: 

01

يمكن للإطار المشترك للتمويل المستدام جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر عبر تنويع خيارات الاستثمار وتوفير مجموعة أوسع من الأدوات المالية المصممة خصيصاً لتلائم تفضيلات المستثمرين ورغباتهم في المخاطرة. كما سيعمل الإطار العام للتمويل المستدام على تعزيز تدفقات رأس المال المستدامة، داعماً التقدم المضطرد الذي تحرزه المنطقة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص الهدف 17 (الأهداف 17.1 -17.5).

02

كذلك، يروج الإطار المشترك للتمويل المستدام تكامل النظام المالي العالمي وإقامة شراكات التمويل المستدام. ويسمح ذلك لمجلس التعاون الخليجي بتنمية الاستثمارات العابرة للحدود ضمن أجندة التمويل المستدام، فضلاً عن قدرته على إتاحة المجال أمام المنطقة للاستفادة من تجارب البلدان الأخرى في الارتقاء بأجندة التمويل المستدام.

03

كما سيدفع الإطار المشترك للتمويل المستدام تكامل التقنيات المتقدمة لتعزيز الكفاءة والشفافية في القطاع المالي، والمساهمة في تحقيق الطموحات العالمية للانبعاثات الصفرية، وتعزيز أمن الطاقة، فضلاً عن التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي.

04

سيوفر الإطار المشترك للتمويل المستدام آلية لاتخاذ القرارات المدروسة مع انتقال دول مجلس التعاون الخليجي نحو اقتصاد أكثر استدامة، وشمولية، وقدرة على التكيف. كما سيدعو إلى تطوير الخبرات المحلية في مجال التمويل المستدام بين المتخصصين الماليين، والهيئات التنظيمية وصناع السياسات، ويسرع بذلك تبني دول مجلس التعاون الخليجي لأجندة التمويل المستدام. حيث يتضمن بناء القدرات تحسين الخبرة المالية، وتطوير أطر وسياسات تنظيمية قوية، وتحسين فهم المخاطر المناخية والاجتماعية. وسيرعى الإطار الابتكار من خلال تشجيع المؤسسات المالية على تقديم منتجات مالية جديدة مصممة خصيصاً لدول مجلس التعاون الخليجي وتدعم أجندة الاستدامة لتلك الدول، بالإضافة إلى تثقيف الشركات حول فوائد الاستثمارات المستدامة، مما يقود إلى زيادة في الطلب على منتجات وخدمات التمويل المستدام.


[1] للاطلاع على حالة التمويل المستدام الآن في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، انظر إلى الجدول 1 «تقدم التمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي»، الصفحة 8 من تقرير بي دبليو سي

[2] OPSWF هو تحالف لمجموعة من صناديق الثروة السيادية الملتزمة بجعل الفرص المالية المتعلقة بالنمو الأخضر والأخطار المناخية جزءاً من عملية إدارة أصولها. وقد تم إطلاقه بمشاركة دول الإمارات العربية المتحدة، والكويت، ونيوزيلندا، والمملكة العربية السعودية، ودولة قطر. ويضم حالياً 46 عضواً (18 صندوق ثروة سيادية، و18 شركة إدارة للأصول، و10 شركات أسهم خاصة واستثمار)، يتولون معاً إدارة أو حيازة أصول تزيد قيمتها على 37 تريليون دولار أمريكي. الإطار العام للمارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات هو الناتج الرئيسي لتحالف OPSWF، ويجري تتبع تطبيقه في تقارير سنوية تسجّل الإجراءات المحتملة لأعضاء تحالف OPSWF

[3] صندوق الثروة السيادية للكوكب الواحد

[4] ديوا

[5] محطة دومة الجندل لطاقة الرياح - NS Energy

[6] وام

[7] منتدى الخليج الدولي

[8] بي دبليو سي

[9] رويترز

[10] رويترز

[11] بنك المشرق، وVisa، وEcolytiq يطلقون منصة صيرفة مناخية

[12] مركز دبي المالي العالمي يعلن عن إصدار قانون جديد للأصول الرقمية وقانون جديد للضمان وتعديلات على بعض التشريعات القائمة

[13] محطة دومة الجندل لطاقة الرياح

[14] اتفاق الإمارات

[15] للمرة الأولى في التاريخ: مؤتمر المناخ COP28 يدعو إلى تعجيل استخدام الطاقة النووية في وثيقته الختامية

[16] فرص دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز منظومة التمويل المستدام

[17] European Parliament

[18] وزارة التغير المناخي والبيئة - الامارات العربية المتحدة

[19] جهاز قطر للاستثمار

[20] بورصة البحرين

[21] أكاديمية سوق أبوظبي العالمي

[22] باير، ج. وبايومي، م. (2022). تمويل تحول أخضر في الشرق الأوسط كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، دبي، الإمارات العربية المتحدة، مارس 2022

[23] بورصة البحرين

[24] Muscat Daily

[25] صندوق البيئة العالمي

[26] صندوق البيئة العالمي

[27] صندوق البيئة العالمي

تواصل معنا

Philipp Lemmerz

ME Leader, Economic Competitiveness, PwC Middle East

+971 54 793 4259

Email

Badi Ubeidat

Director - Government and Public Sector Consulting, PwC Middle East

Email

Contact us

Bassam Hajhamad

Bassam Hajhamad

Qatar Country Senior Partner, PwC Middle East

Ahmed AlKiswani

Ahmed AlKiswani

Partner, Regional Financial Services Leader, PwC Middle East

Tel: +97450098446

Dmitry Lukin

Dmitry Lukin

Qatar Financial Services Consulting Director, PwC Middle East

We unite expertise and tech so you can outthink, outpace and outperform
See how
Follow us