د. شهاب البرعي و د. يحيى عنوتي
إن منطقة الخليج العربي، التي لطالما اشتهرت بإنتاج الهيدروكربونات، تقود اليوم تحولًا عالميًا نحو نظام طاقة منخفض الكربون. بفضل مواردها الطبيعية، وسياساتها المبتكرة، ورؤيتها الاستراتيجية، أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي نموذجًا يُحتذى به في الجمع بين استدامة الطاقة وتحقيق مكاسب اقتصادية.
تم استعراض هذا التحول ودور الخليج فيه بشكل مفصل في كتابنا "المناورة العربية"، المتوفر الآن على الإنترنت، يشرح كيف يمكن للمنطقة أن تقود التحول إلى الطاقة الخضراء مع الحفاظ على مركزها الاقتصادي العالمي.
ميزة تنافسية مزدوجة: الهيدروكربونات والطاقة النظيفة
على عكس التصورات السائدة، يوفر الانتقال إلى الطاقة النظيفة فرصة اقتصادية لدول الخليج بدلاً من أن يكون تحديًا ماليًا. فالمنطقة ليست فقط المنتج الأقل تكلفة للهيدروكربونات، بل تُعد أيضًا رائدة عالميًا في إنتاج الطاقة المتجددة:
تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في الخليج تعادل خُمس المتوسط العالمي.
ستة من أقل مشاريع الطاقة الشمسية تكلفة عالميًا تقع في السعودية والإمارات، مع تحقيقها معدلات تكلفة تفوق التوقعات حتى للمشروعات غير الفائزة في المناقصات.
يعتمد هذا النجاح على نموذج "المشتري الوحيد"، الذي يضمن استقرار السوق من خلال إزالة مخاطر الطلب، وتقديم عقود طويلة الأجل تقلل من تكاليف التمويل للمستثمرين.
قيادة خليجية للتحول الأخضر
يفتح استثمار الخليج في الطاقة المتجددة آفاقًا جديدة تشمل:
الهيدروجين الأخضر: إن الموارد المتجددة والبنية التحتية تجعل الخليج مركزًا عالميًا لإنتاج الهيدروجين النظيف، وهو ركيزة أساسية لمستقبل الطاقة النظيفة.
الصناعات منخفضة الكربون: إن استغلال الطاقة المتجددة لإنتاج سلع ذات بصمة كربونية منخفضة يمنح الخليج ميزة تنافسية في الأسواق العالمية.
مراكز البيانات الخضراء: تدعم الطاقة النظيفة تشغيل البنية التحتية الرقمية بتكاليف منخفضة وبصمة كربونية أقل، ما يعزز مكانة الخليج كمركز رقمي عالمي.
الزراعة المستدامة: مثل توظيف الطاقة المتجددة في التخمير الدقيق لإنتاج غذاء مستدام على نطاق واسع.
شراكة خليجية-أوروبية: مستقبل أخضر مشترك
في ظل سعي أوروبا لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، يبرز الخليج كحليف استراتيجي يوفر الطاقة النظيفة، لا سيما الهيدروجين الأخضر. ولكن لتحقيق هذا التعاون، يجب التغلب على تحديات مثل السياسات الحمائية الأوروبية، ومنها آلية تعديل الكربون عند الحدود (CBAM)، التي قد تؤثر على تدفق التجارة بين الجانبين.
كما يتطلب التكامل بين الموارد الخليجية والبنية التحتية الأوروبية نماذج تمويل مبتكرة تُقسم المخاطر بإنصاف بين القطاعين العام والخاص، وتضمن تدفقًا مستدامًا للطاقة النظيفة على غرار تدفقات النفط والغاز اليوم.
الميثاق الأخضر العربي: رؤية للمستقبل
في كتاب "المناورة العربية"، نقترح إطلاق "الميثاق الأخضر العربي"، على غرار الصفقة الخضراء الأوروبية، لتحديد رؤية واضحة للتحول الأخضر. يتضمن هذا الميثاق:
تطوير بنية تحتية تربط الموارد المتجددة الخليجية بالأسواق العالمية.
وضع أطر تنظيمية متكاملة تعزز الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
جذب استثمارات دولية تدعم مشاريع الطاقة النظيفة وتسرّع من وتيرة التحول.
الفرصة الذهبية
يقف الخليج اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة تحديد دوره في سوق الطاقة العالمي، من خلال التحول إلى قوة دافعة للطاقة المستدامة. تتطلب هذه الرحلة شجاعة ورؤية بعيدة المدى، كما شرحنا بالتفصيل في كتاب "المناورة العربية".
مع العمل الجريء والتعاون الدولي، يمكن لدول الخليج أن تحول إمكانياتها إلى واقع يجعلها في طليعة التحول الأخضر، لتصبح نموذجًا عالميًا للابتكار والاستدامة.
*د. شهاب البرعي، شريك في قسم الطاقة والموارد والاستدامة لدى ستراتيجي أند الشرق الأوسط (من شبكة بي دبليو سي الشرق الأوسط)، ود. يحيى عنوتي، قائد قسم الاستدامة في بي دبليو سي الشرق الأوسط، والشريك في ستراتيجي أندز